صيدليات الجزائر تشكو قلة الدواء.. ما الأسباب؟

ندرة الدواء معضلة تؤرق الجزائريين كل عام
بحسب نقابة صيادلة القطاع الخاص سجل النقص في حوالي 12 ألف صيدلية (الجزيرة)

أحمد مروان-الجزائر

في مشهد بات يتكرر كل عام، يجد المرضى بالجزائر أنفسهم أمام رحلة بحث شاقة من أجل الحصول على دواء، والسبب مشكلة ندرة الأدوية التي باتت تتكرر رغم وعود الحكومة باحتوائها.

فمؤخرا أعلنت النقابة الوطنية للصيادلة الخواص عن فقدان نحو مئة دواء لعلاج أمراض مختلفة، خاصة المزمنة منها التي تشهد إقبالا كل عام بين الجزائريين.

وحسب النقابة فإن هذا النقص سجل عبر 11 ألف صيدلية تابعة للقطاع الخاص، وعبر 900 صيدلية تابعة للقطاع الحكومي.

العمري بلقاسم المصاب بداء الربو يؤكد أن "ندرة الأدوية الخاصة بمرضه بدأت في مطلع شهر فبراير/شباط الماضي"، فهو بالكاد يعثر على دوائه الأساسي "الفونتولين" وهو بخاخ الربو العلاج الوحيد لأزمات الربو وضيق التنفس.

بحسب صيادلة فإن الأدوية المفقودة تتعلق بشكل خاص بالأمراض المزمنة (الجزيرة)
بحسب صيادلة فإن الأدوية المفقودة تتعلق بشكل خاص بالأمراض المزمنة (الجزيرة)

الأمراض المزمنة
وحسب بعض الصيادلة فإن الأدوية المفقودة تتعلق بشكل خاص بالأمراض المزمنة كالربو والضغط الدموي مثل دواء "براك سيلان" ودواء "فيروسانول" الخاص بمرضى فقر الدم، إضافة إلى دواء "ستاجيد" و"جلوكوفاج"، وحتى "غريبيل" المخصصين لمرضى السكري الذي يعاني منه نحو أربعة ملايين جزائري.

ويعزو بعض المتعاملين في سوق الدواء أسباب الندرة إلى سعي الحكومة لتخفيض فاتورة الدواء المستورد من الخارج، تحت تأثير الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد بسبب تراجع أسعار النفط.

بالمقابل طمأنت الحكومة الجزائريين بأنها ستعوض النقص الناتج عن تقييد الاستيراد بتشجيع الإنتاج المحلي، وأصدرت منشور وزاري في ديسمبر/كانون الأول 2016، حدد قائمة الأدوية المصنعة في الجزائر والممنوعة من الاستيراد تماما والتي بلغ عددها 357 صنفا، يضاف إليها 11 صنفا مدرجا ضمن المعدات الطبية المصنعة محليا كالحقن والضمادات.

وبينما شكلت وزارة الصحة قبل ثلاثة أشهر خلية تضم صيادلة ومنتجين وممثلين عن الوزارة لبحث أسباب الندرة، يؤكد مراد عروج وهو مستثمر وصاحب مكتب دراسات متخصص في الدواء أن "مشكلة ندرة الدواء في الجزائر عميقة ومعقدة جدا، لكن حلها ليس عصيا لو تتوفر الإرادة لدى وزارة الصحة التي حملها مسؤولية استمرار المشكلة التي تتكرر منذ عشرين عاما".

فخلافا لكل دول العالم التي تمتلك مؤسسات مستقلة عن وزارة الصحة لتسيير ملف الدواء يؤكد عروج أن "الجزائر الدولة الوحيدة التي تنفرد فيها وزارة الصحة بتسيير الدواء، وهي الوحيدة التي توقع على برنامج استيراد الدواء".

وكشف أن "الحكومة وضعت قانونا عام 2008 يتم بموجبه إنشاء الوكالة الوطنية للدواء تضم متخصصين في الدواء من باحثين وعلماء وصيادلة لمتابعة خريطة الدواء عالميا، بالاستفادة من الأدوية الجديدة والتخلي عن الأدوية التي سحبت من الأسواق العالمية، لكن هذه الوكالة لم تر النور إلى اليوم".

‪البعض اضطر للبحث عن الدواء عبر مواقع التواصل‬ (الجزيرة)
‪البعض اضطر للبحث عن الدواء عبر مواقع التواصل‬ (الجزيرة)

قرار خاطئ
بالمقابل انتقد عروج قرار وزارة الصحة بتخفيض فاتورة الدواء، واعتبره قرارا خاطئا، فلا يمكن برأيه "حرمان الجزائريين من الدواء الجديد وإن كان غاليا"، وتساءل باستغراب "إذا كانت الحكومة ترفض تحفيض فاتورة استيراد القمح والحليب، فكيف تقبل بتخفيض فاتورة الدواء؟ وهي تعلم أن عدد السكان في تزايد سنوي ما يعني أن عدد المرضى في ارتفاع سنوي، وخاصة المصابين بأمراض مزمنة".

ويعتقد أن الحل يكمن في تحرير ملف الدواء من قبضة وزارة الصحة، مع ضرورة التراجع عن سياسة ترشيد الاستيراد.

وفي محاولة منها لاحتواء الندرة أصدرت وزارة الصحة الاثنين الماضي تعليمات لمديري الصحة من أجل تفقد موزعي المنتجات الصيدلانية بالجملة وسحب الاعتماد من كل متعامل يثبت قيامه بتكديس المواد الصيدلية أو البيع الموازي.

وإلى حين إيجاد حل للمعضلة، يجد المرضى أنفسهم مجبرين على الاستنجاد أحيانا بوسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن الدواء، وغالبا ما يتكرم ناشطون بوضع صور لأدوية مفقودة ومتوفرة لديهم يتبرعون بها مجانا للمرضى.

وأحيانا أخرى يعتمدون على أقاربهم المقيمين في الدول الأوروبية وخاصة فرنسا، أو الاعتماد على "تجار الشنطة" الذين يجلبون الدواء من الخارج بأضعاف قيمته، مع استحالة تعويض قيمته ضمن أنظمة الحماية الاجتماعية، لأن شراء الدواء في السوق السوداء بطرق غير قانونية.

المصدر : الجزيرة