قضية "الكوكايين" ومستقبل الرئاسيات الجزائرية

An election worker empties a ballot box at the end of voting for the parliamentary election at a polling station in Algiers, Algeria, May 4, 2017. REUTERS/Ramzi Boudina
ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من عدمه لعهدة خامسة يمثل نقطة فاصلة في سباق الرئاسيات (رويترز)

 مصطفى فرحات-الجزيرة نت

تعوّد الجزائريون على فصول الصيف الملتهبة التي تزيدها الصراعات السياسية اشتعالا، وهاهم ينظرون بقلق إلى ما يمكن أن تؤول إليه قضية "الكوكايين" التي كانت بمثابة الزلزال الذي تلته هزات ارتدادية قد ترسم مستقبل الرئاسيات الجزائرية المرتقبة في العام المقبل.

لم يكن خبر مصادرة شحنة ضخمة من الكوكايين في ميناء وهران (غرب الجزائر) قبل شهر ليمر مرور الكرام، فهذه أول مرة توضع فيها اليد على 701 كيلوغرام من هذه المادة المخدرة، وقد قام الجيش الجزائري، وليس الشرطة، بعملية التوقيف والمصادرة.

وبدا واضحا للعيان أن قضية بهذا الحجم لا يمكن أن يكون وراءها مهرّبون صغار، نظرا إلى طبيعة العملية وقيمتها المالية التي قدرها البعض بأكثر من مئة مليون دولار، وما تتطلبه من ترتيبات وعلاقات داخل وخارج البلاد لإدخال شحنة بهذه الكمية، وتسويقها داخل البلد أو تحويلها إلى وجهات أخرى خارجه.

وفي هذا السياق، أوقف وزير العدل الطيب لوح أربعة قضاة عن العمل للاشتباه في "استغلال الوظيفة" و"استغلال النفوذ"، حيث قدموا تسهيلات للمتهم الرئيس في هذه القضية، وهو كمال شيخي، الشهير بالبوشي (لكون استيراد اللحوم أحد مجالات نشاطاته التجارية).

حزم وصرامة
كما أودعت شخصيات نافذة السجن على خلفية هذه القضية، بينهم ابن الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون، وقد أفاد مصدر قضائي لصحيفة "النهار" الجزائرية بأن "العدالة مصممة على التعامل وفقا للقانون ولن يستثنى أي شخص تورط في هذه القضية مهما كان".

وجاءت إقالة المدير العام للأمن الوطني اللواء عبد الغني الهامل بعد ساعات من تصريحات أدلى بها حول قضية الكوكايين لتزيد من وتيرة الجدل في هذه القضية، وما إذا كان ذلك مؤشرا على وجود صراع بين أقطاب النظام، لا سيما أن الهامل من المقربين للرئيس عبد العزيز بوتفليقة

من جهته، يعتبر الإعلامي محمد يعقوبي أنه "من الواضح جدا أن إقالة اللواء الهامل بهذه الطريقة العنيفة بعد تسجيل اعتراضه على بعض إجراءات التحقيق الأولية هي إشارة قوية من الرئيس بوتفليقة بالذهاب بعيدا في محاربة الفساد حتى لو مست التحقيقات رؤوسا كبيرة في الدولة".

وأضاف يعقوبي في حديث لـ"الجزيرة نت" أن الرئيس "كأنه يقول للقضاة ورجال الضبطية القضائية لا تستثنوا أحدا ممن يثبت تورطهم في الفساد خاصة قضية الكوكايين وما تبعها من قضايا فرعية متعلقة باستغلال النفوذ من أجل التربح".

وذكّر بأن "التحقيقات الأولية جرّت أسماء ثقيلة منهم أبناء مسؤولين كبار في كل القطاعات"، وأن "الأحداث الدرامية الأخيرة مؤشر إيجابي عن المرحلة القادمة، وإذا أخذت التحقيقات مداها وأصابت أهدافها فإنها ستعطي الأمل في غد أفضل للجزائريين".

صراع حول الرئاسيات
غير أن الصحفي الجزائري فيصل مطاوي يرى أن الجزائر تمر نوعا ما بالأجواء نفسها التي مرت بها أثناء التحضير للانتخابات الرئاسية في 2014، فقد طفت على السطح أحداث كثيرة واختلطت الوقائع بالإشاعات، إلى أن أقيل حينها الجنرال محمد مدين –المعروف بالجنرال توفيق- من جهاز المخابرات.

‪أحمد أويحيى يدعو الدرك والشرطة إلى التنسيق معا خدمة لمؤسسات الدولة‬ (الأوروبية)
‪أحمد أويحيى يدعو الدرك والشرطة إلى التنسيق معا خدمة لمؤسسات الدولة‬ (الأوروبية)

وفي حديث للجزيرة نت، يقول مطاوي إن قضية الكوكايين "جاءت في سياق هذا الصراع وقد أخذت أكبر من حجمها بسبب حدوثها عشية التحضير للانتخابات الرئاسية، وكل ما سيحدث في الأشهر القادمة والقرارات التي ستُتخذ في مختلف الميادين ستقرأ ضمن هذا السياق، وقد تصيب هذه القراءات أو قد تُخطئ، لكن المؤكد أنها تعكس السباق لاعتلاء سدة الحكم في الجزائر".

وقد تعود إقالة الهامل –حسب مطاوي- إلى الطموحات السياسية التي يُقال إن المدير العام للأمن الوطني يمتلكها، كما أنه كان على خلاف مع قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، ولهذا أدى انتقاده لأمور تتعلق بالتحقيقات إلى إزاحته من المشهد.

وقد أثارت إقالة الهامل أيضا حديثا كبيرا عن قطبي الجيش والشرطة، والتجاذبات المحتملة بينهما حول هذا الملف الشائك، وهو ما حدا بالوزير الأول أحمد أويحيى –حسب ما نقلته صحيفة "الخبر"- إلى الدعوة من أجل "تنسيق الجهود والعمل معا بين الدرك (التابع للجيش) والشرطة في القضايا التي تساعد العدالة في عملها، خدمة لمؤسسات الدولة".

المصدر : الجزيرة