حضرت اللافتات وغاب الناخبون برئاسيات مصر

حضرت اللافتات ومكبرات الصوت وغاب الناخبون أمام اللجان. (تصوير خاص لإحدى اللجان ـ الهرم ـ الجيزة ـ مصر ـ 26 مارس 2018).
حضرت اللافتات ومكبرات الصوت وغاب الناخبون أمام مركز انتخابي (الجزيرة)

عبد الله حامد ـالقاهرة

"كلها خاوية على عروشها"، هكذا اختار الشاب المصري العاطل عن العمل عادل أن يعلق على ما لمحته عيناه وهو يمر من أحد المراكز الانتخابية قبل أن يضيف أن "هذا المشهد لا يليق بمصر أبدا".

حرص عادل وهو يمشي بجوار مركز انتخابي يقع أسفل شقته على ألا تلتقطه عدسات كاميرات فضائيات النظام، فهو ليس ناخبا ولا يريد أن يُقدم كذلك حتى لا يتحول إلى "رقم تتم المتاجرة به أمام العالم في الشاشات".

ومع انطلاق الانتخابات المصرية -التي تستمر ثلاثة أيام- مارس عادل طقوسه اليومية المعتادة دون زيادة أو نقصان رغم أن باب المدرسة الثانوية الزراعية التي تحولت لمركز انتخابي لا يبعد عنه إلا بضع خطوات.

ويتوزع الناخبون على 13700 مكتب، يعتقد عادل أن "جميعها بنفس حال هذه اللجنة البائسة" التي بالمدرسة، وقد "أصاب الملل حراسها وقضاتها وموظفيها جراء قلة الناخبين". ولا يعكر صفو هؤلاء سوى "مطبلين وراقصين على أنغام الأغاني الوطنية الزائفة".

رفضُ الشاب المصري إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي يعود إلى أسباب عدة؛ على رأسها البطالة التي يعاني منها كغيره من ملايين المصريين بعد أن فصلته الشركة التي كان يعمل بها لتراجع نشاطها إلى الربع، في ظل "تدهور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد نتيجة تعويم الجنيه".

تجاهل تام
وبدل ممارسة حقه الانتخابي، ارتأى الشاب العاطل، خريج كلية التجارة قبل عشر سنوات، استغلال وقته للبحث عن وظيفة، طارقا أبواب شركات ضمن مجال اختصاصه.

بعد ساعات من عناء البحث عن وظيفة، طالع عادل -وهو في طريق عودته- نساء يرقصن أمام لجان انتخابية، وسمع موسيقى صاخبة تنطلق من مكبرات صوت على سيارات نقل تقل عشرات من "المستأجرين للهتاف للسيسي والدعوة لانتخابه، وسط تجاهل تام من الأغلبية وازدرائهم هذا العبث".

هذا الازدراء امتد إلى عالم التواصل الاجتماعي، حيث توقف عادل -وهو يهم بتصفح الإنترنت بحثاً عن وظيفة- عند تهكم المصريين على ما يجري، ليقوم بنشر منشورات "ينفس بها عن الغيظ مثل الآخرين".

ورغم القبضة الأمنية التي يمارسها النظام على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتبعه كل ما ينشر، لا يخشى هذا الشاب المصري التهديدات بالملاحقة وقطع الأرزاق للمعارضين "فلم يعد هناك شيء أخسره". كما لا يبدي خشية من تهديدات النظام بتوقيع غرامة تصل لخمسمئة جنيه (أقل من ثلاثين دولاراً) لمقاطعي الانتخابات.

معظم المراكز الانتخابية شكت ندرة الناخبين(الجزيرة)
معظم المراكز الانتخابية شكت ندرة الناخبين(الجزيرة)

تحيا مصر
ورغم أن الشباب يمثلون ثلثي التعداد السكاني في مصر، فإن أغلبهم أحجم عن التصويت، بحسب ما تفيده مؤشرات اليوم الأول.

في المقابل، اختلف المشهد عند الحاجة نعمات التي زغردت وهي تهم بالخروج من شقتها مبكرا متجهة للمكتب الانتخابي بالجيزة للتصويت.

وتوقفت هذه المرأة قليلا عند مدخل العمارة التي تسكنها، كأنما نسيت شيئاً ثم هاتفت حفيدتها لكي تناولها عبر الشرفة علم مصر.

وتعمل نعمات بوظيفة قيادية بإحدى الوزارات، وزغردت مجدداً حينما طالعت وجوه جنود الشرطة والجيش الذين يحرسون لجان الانتخابات الخاوية، وهتفت بحماس ظاهر "تحيا مصر"، ثم أردفت قائلة بأنها تشعر بالأمان والراحة حينما ترى الشرطة والجيش.

بعد ساعة واحدة فقط، عادت الحاجة نعمات لشقتها بوجه غير الذي ذهبت به؛ فخلافا لما توقعته لم تكن هناك طوابير أمام المكتب الانتخابي، وبدت لها الأجواء فاترة على عكس المأمول.

ولحشد الهمم، شرعت الحاجة نعمات في الاتصال بمن تعرف من النساء لحثهن على الذهاب "لكي تبدو صورة مصر أفضل".

نساء خلال توجههن لمركز انتخابي(الجزيرة)
نساء خلال توجههن لمركز انتخابي(الجزيرة)

مؤامرات كونية
تردد الحاجة نعمات بيقين ما تروجه صفحات اللجان الإلكترونية المؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي "الذي يخوض الانتخابات لمواجهة مؤامرات كونية"، قبل أن تضيف "لا بد من تصويت كل المصريين له، فالمقاطعة خيانة لمصر".

وشهدت اللجان طقساً موسمياً بات سمة للانتخابات المصرية عقب الانقلاب العسكري، هو قيام السيدات بإطلاق الزغاريد والرقص أمام اللجان عقب التصويت.

وأعلن محافظون عن تخصيص مبالغ تصل لنصف مليون جنيه (أقل من 25 ألف دولار) لكل قرية يصل التصويت فيها لأكثر من نصف عدد المصوتين بها.

ولم تحقق هذه الدعوة أثرا لدى الجمهور، إذ أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات أن أكثر المحافظات تصويتا في اليوم الأول هي القاهرة ثم الإسكندرية، دون أن يعطي المتحدث الرسمي باسم الهيئة محمود الشريف مؤشرات على نسب التصويت ولا أعداد الناخبين، واكتفى بالقول إنها "مرضية جداً".

وتعد نتيجة الانتخابات محسومة سلفا لصالح السيسي أمام منافسه موسى مصطفى موسى، وهو سياسي مغمور أعلن مرارا أنه يؤيد الرئيس الحالي وسياساته، وأنه يعتبره "قدوة" له.

ويحق لـ59 مليون مصري التصويت بالانتخابات الحالية، وفي انتخابات عام 2012 التي فاز فيها الرئيس المعزول محمد مرسي؛ صوت نحو 25 مليون ناخب، حيث اصطف المصريون في طوابير طويلة أمام اللجان طوال ساعات التصويت على مدى يومين.

المصدر : الجزيرة