في مصر.. الموظف يصوّت رغم أنفه

الموظفون رهان السيسي على تجنب حرج العزوف عن الاقتراع.
النظام يعوّل على الموظفين لتجنب حرج العزوف عن الانتخابات (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

بدأ مدير شركة حكومية بإحدى ضواحي الجيزة في مصر اجتماعه مع موظفيه بوجه ممتقع، وهو يطالبهم -بكلمات تخرج ثقيلة من فمه- بضرورة الذهاب للجان الاقتراع للتصويت للرئيس عبد الفتاح السيسي وإلا فسيتم الخصم من راتب الموظف الذي لا يأتيه مشهراً إصبعه المصبوغ بلون الحبر الفسفوري، دليلاً على إدلائه بصوته.

ثار بعض الموظفين رفضا لهذه "الطريقة المهينة التي تجبرهم على التصويت"، فاعتذر المدير بأنه هو الآخر "مجبر على ذلك بتعليمات أمنية".

وتوصل أبو سعيد -وهو اسم مستعار لموظف حضر الاجتماع العاصف- إلى حيلة شراء حبر يعطي نفس لون حبر لجان الاقتراع، ليرجع لمديره بإصبعه الملون وكأنه شارك في التصويت.

وانطلقت أمس الجمعة عملية تصويت المصريين في الخارج في الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها مرشحان، هما السيسي ورئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى. وتجرى الانتخابات داخل مصر في 26 و27 و28 من الشهر الجاري.

وتواترت شهادات عديدة على وصول تعليمات أمنية حاسمة للمديرين بالشركات والمؤسسات الحكومية والمدارس بضرورة حشد الموظفين قسرا للتصويت.

جمعيات الأعمال دعت أعضاءها لتحفيز العمال على النزول للتصويت (الجزيرة)
جمعيات الأعمال دعت أعضاءها لتحفيز العمال على النزول للتصويت (الجزيرة)

وحصلت الجزيرة نت على إفادات متطابقة من ثلاث محافظات تؤكد وصول هذه التعليمات للمديرين.

تقول يمنى -وهو اسم مستعار لمدرسة بالابتدائية في سوهاج جنوبي مصرـ إن مدير المدرسة دعا المدرسين لضرورة التوجه باكرا في اليوم الأول للاقتراع، إذ سيكون التوقيع بالحضور في دفتر باللجنة الانتخابية، ومن يتخلف سيتم احتساب اليوم له غيابا بغير عذر.

وتضيف يمنى أنها تنوي عمل محضر لإثبات فقدانها بطاقة هويتها اللازمة للاقتراع، حتى يرفض مشرف اللجنة قيامها بالتصويت، فتكون قد أرضت ضميرها بغير تبعات عليها، كما تقول.

أما عيد -وهو اسم مستعار لموظف بوزارة الزراعة- فأكد ورود التعليمات بضرورة الحضور أمام مبنى الوزارة لتقلهم حافلات باتجاه لجان الاقتراع تحت إشراف مدير في الوزارة، لكن "هناك حيل عديدة للموظفين ردا على هذا الإجبار، منها إبطال الصوت أو انتخاب المرشح المنافس للسيسي انتقاما".

قلق النظام
وتكشف تصريحات مسؤولين مصريين عن قلق متصاعد لدى دوائر النظام من احتمالات مقاطعة التصويت، إذ إن ذلك سيحرج السيسي الذي ناشد المواطنين الذهاب للاقتراع.

وتنذر المؤشرات الحالية بعزوف المصريين عن العملية الانتخابية برمتها بعد أن باتت النتيجة محسومة سلفا لصالح السيسي، الذي أقصى منافسيه الأقوياء بالإجبار على التراجع كما في حالة رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، أو السجن كرئيس الأركان الأسبق سامي عنان، وهناك من فضل الانسحاب طوعا بسبب "غياب ضمانات النزاهة" كمحمد أنور السادات وخالد علي.

ويعد الإكراه على التصويت جزءا من سياسة انتهجها النظام طوال الشهور الماضية لاستخدام الموظفين في دعم السيسي، إذ جرى إجبار الموظفين بالمصالح الحكومية على توقيع استمارات "علشان تبنيها" لمطالبة السيسي بالترشح للرئاسة، كما سجلت حملات المرشحين السابقين وقائع إجبار الموظفين على تحرير توكيلات لترشيح السيسي.

ولم يقتصر الأمر على موظفي الحكومة، فقد دعت جمعية رجال الأعمال المصريين في بيان لها أعضاءها من رجال الأعمال "لاتخاذ ما يلزم لحث العاملين لديهم على التصويت في الانتخابات الرئاسية".

تحت التهديد
وقال مجدي حمدان نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية إن "هذا الإجبار مخالف للدستور، والمادة 87 منه صريحة في تأكيد حق كل مواطن في حرية الترشح أو الانتخاب".

ويرى حمدان في إجبار السلطة الموظفين على التصويت دلالة على عدم ثقتها في خروجهم طواعية، "حيث تنعدم القناعة بوجود انتخابات أصلا". وأرجع ذلك إلى تدني شعبية السيسي لدرجة لم يكن يتوقعها لا هو ولا المحيطون به "نتيجة سياساته القائمة"، وقال إن السلطة تريد أن ترضي السيسي بأي طريقة بمحاولة "إسباغ الجدية على الانتخابات".

ويرصد الكاتب الصحفي فتحي مجدي "عملية تجييش بكافة مؤسسات الدولة، ترغيبا وترهيبا، لمحاولة إعطاء انطباع بجدية ما يجري، بينما يدرك الجميع أنه زيف".

وأشار مجدي إلى أن "إقبال المصريين على التصويت عقب ثورة يناير كان نتاجا عن شعورهم بأن لأصواتهم قيمة حقيقية في حسم مصير بلادهم".

وبالمقارنة مع دول ديمقراطية "تتحول الانتخابات فيها إلى أعراس حقيقية، وليس زفة وهمية"، فإن ما يُمارس الآن برأيه هو "أسوأ بكثير مما كان يقال عن جماعة الإخوان المسلمين من استخدامهم للسلع التموينية لحشد الأصوات لصالحهم".

المصدر : الجزيرة