سيدة غزية تتحدى "تابوهات" ذوي الإعاقة

ريم الإفرنجي اكتشفت عقب الحرب الإسرائيلية على غزة في 2008 أن ولديها عبود وعمرو يعانيان من إعاقات تطورية
ريم اكتشفت أن طفليها عبود وعمرو يعانيان من إعاقات تطورية عقب حرب 2008 على غزة (الجزيرة)

زينة الطحان

في معركة تخوضها لمحاربة المفاهيم العربية السائدة "التابوهات" نجحت ريم الإفرنجي (27 عاما) -وهي أم ٌ لطفلين يعانيان من إعاقات تطورية- في إنتاج أول فيلم كرتوني عربي لتصحيح الصورة النمطية عن ذوي الإعاقة.

الحكاية بدأت في قطاع غزة عام 2008 عندما حلّ الشتاء ومعه حلّت هجمات الطائرات الإسرائيلية معلنةَ الحرب. كانت ريم تقطن مع زوجها في شقة سكنية بالطابق الثاني مع ولديها عبود (خمس سنوات) وعمرو الذي كان رضيعا آنذاك.

وتحت القصف المتواصل الذي تسبب بتناثر زجاج المنزل، هرعت العائلة للاختباء في الطابق السفلي في منزل عم ريم حيث اهتزازات القصف أقل وطأة و "تسمّر أطفالي مكانهم من الخوف" تقول ريم.

وأضافت "كانت الكهرباء مقطوعة، والجميع يهرولون فزعين من حولهم ". ومع انتهاء الاعتداء الإسرائيلي الذي استمر ثلاثة أسابيع، كان عبود قد توقف عن الكلام تماما.

استغرقت الأم سنوات في محاولة فهم سبب تأخر ابنها في النطق، حيث كان لا ينطق سوى بضع كلمات بسيطة مثل "ماما" أو "تيتا" إضافة إلى فرط نشاطه الحركي حيث لم يكن يستطيع الجلوس لأكثر من بضع دقائق، حتى أن رياض الأطفال اعتذرت عن عدم قبوله لأنه "شقي جدا".

‪ريم وزوجها محمد وطفلاهما بعد انتقالهم إلى عمان‬ ريم وزوجها محمد وطفلاهما بعد انتقالهم إلى عمان (الجزيرة)
‪ريم وزوجها محمد وطفلاهما بعد انتقالهم إلى عمان‬ ريم وزوجها محمد وطفلاهما بعد انتقالهم إلى عمان (الجزيرة)

تشخيص الحالة
بحثت ريم في الإنترنت للاهتداء إلى تشخيص حالة ابنها دون جدوى. كانت هناك القليل من الدراسات باللغة العربية عن تطور الطفل.

أما الأطباء في القطاع فقد أخبروها بأن العديد من الأطفال يبدؤون الحديث في سن السادسة، في حين أنه من المعروف أن الطفل الطبيعي يبدأ بتكوين الجمل ما بين سن الثانية والثالثة. تقول ريم "أخبرونا أن طفلنا يتطور بشكل جيد، وأن الكثير من الأطفال قد يتأخرون بالكلام".

بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية، توجهت ريم إلى طبيب آخر لعله يرشدها. ما كانت تخشاه أكّده الطبيب الذي يعمل مديرا لمشفى الأطفال الحكومي بعد تشخيصه لعبود أنه يعاني من إعاقات تطورية.

لكن الصدمة التي عقدت لسانها كانت عندما أخبرها الطبيب أن طفلها الآخر عمرو يعاني ذات الاضطرابات وبحاجة لعناية خاصة، و"لقد أخبرنا الطبيب أن ولدي الاثنين يعانيان من تحديات تطورية" تقول ريم للجزيرة.

وفي العالم العربي الذي تعد الإعاقة فيه واحدة من التابوهات المنبوذة، يعد البحث عن مصادر ومراجع عن الإعاقة مرهقا. بالنسبة لريم، لم يكن هناك أي أخصائي في العلاج الوظيفي في قطاع غزة، بينما رفضت المدارس استيعاب ولديها.

نظرات الرفض والعقول المتحجرة زادت العبء الملقى عليها مما جعلها تبدو غير مستقرة. "في قطاع غزة، فكرة أن يكون لديك طفل معاق شيء مخجل جدا، الجميع يرونه شيئا مهينا، وبالتالي خلال الاجتماعات العائلية الكبيرة، دائما ما يلومون أطفالي كلما حدث خطأ أو تم كسر شيء ما ويطلبون منهم أن يذهبوا بعيدا" تقول ريم، فـ "بدأت أشعر أنني في منطقة حرب بالفعل".

‪لقطة من مسلسل
‪لقطة من مسلسل "كلنا بطل" حول ذوي الإعاقات الذي شاركت في إنتاجه الإفرنجي‬ لقطة من مسلسل "كلنا بطل" حول ذوي الإعاقات الذي شاركت في إنتاجه الإفرنجي (الجزيرة)

وصمة اجتماعية
تخّلت الأسرة عن رغبتها في الاستقرار في قطاع غزة بجانب الأقارب، فحزموا أمتعتهم عام 2010 وانتقلوا للإقامة في عمّان من أجل الطفلين، وهناك لاقت ريم ترحيبا واسعا من مجتمع أمهات الأطفال ذوي الإعاقة كواحدة منهم.

ألحقت عبود وعمرو في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة، وكثفت علاقاتها مع الأخصائيين، كما انضمت إلى مجموعة دعم لأولياء الأطفال ذوي الإعاقات. وبحسب التقديرات هناك مليار شخص في العالم، أي ما نسبته 15%، يعانون من إعاقات، بينما تبلغ النسبة 3% بين سكان المنطقة العربية البالغ عددهم 407 ملايين.

وتقول شارلوت ماكلين-نهلابو، المستشارة العالمية للإعاقة في البنك الدولي، للجزيرة، إن الدراسات الاستقصائية التي تجريها الحكومة غالبا ما تضيّق تعريف الإعاقة، أي تنظر فقط للأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة.

‪ريم أثناء تسجيل أغنية خاصة بالمسلسل الكرتوني‬ ريم أثناء تسجيل أغنية خاصة بالمسلسل الكرتوني (الجزيرة)
‪ريم أثناء تسجيل أغنية خاصة بالمسلسل الكرتوني‬ ريم أثناء تسجيل أغنية خاصة بالمسلسل الكرتوني (الجزيرة)

"تودين إحراجنا"
التقت ريم بالعديد من الأمهات في المناطق الريفية الأردنية. "تقول واحدة من الأمهات هنا إنها كلما نشرت صورا لها مع ابنتها "المعاقة" تثور عائلتها متسائلة لماذا تنشرين صورها دائما؟ هل تودين إحراجنا؟" تضيف ريم.

"يزداد الطين بلة عندما يجتمع الجهل والإعاقة والفقر معا، حيث إنه من الشائع جدا أن تلقي المجتمعات في تلك المناطق باللوم كاملا على الأم إذا كان لدى طفلها إعاقة، وغالبا ما يذهب الرجال للطلاق".

وتعتقد سيرين قبين (أم أردنية) أن هناك سوء فهم شائعا في العالم العربي لمعنى الإعاقة حيث يتم ربطها آليا بالمرض. يعاني طفلها راكان ذو التسعة أعوام من تأخر عقلي و"عندما يراه الناس في الشارع دائما ما يقولون "نتمنى من الله أن يشفيه" وتلقائيا أجيبهم "إنه ليس مريضا".

"كلنا بطل"
بعد أن استقرت ريم في بيئة داعمة، أرادت أن تبدأ التركيز على رفع مستوى الوعي. فقامت عام 2013 بالتعاون مع منتج للأفلام يدعى خالد أبو شريف بإنتاج مسلسل كرتون "كلنا أبطال" حول الأطفال ذوي الإعاقة، ويعد الأول من نوعه في المنطقة.

"قررت أن أعرض حياتهم بطريقة إيجابية" تقول ريم. ويتوقع بث الموسم الأول على إحدى محطات البث العربية الرئيسية خلال الشهر الجاري، حيث حصل المسلسل على تمويل من جهات منها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومؤسسة عبد الحميد شومان الاستثمارية الأردنية.

يحاكي الفيلم حياة عبود وعمرو، و"تروي قصة الفيلم حياة أخوين، أحدهما يدعى وسيم لديه نفس التأخر التطوري الذي يعاني منه طفلاي، والآخر يدعى راشد وهو طفل لديه تطور طبيعي. ينتقل الأخوان للعيش في ضاحية جديدة وهناك يلتقيان عددا من الأطفال الذين يستدعيهم الفضول حول حالة وسيم ويبدؤون التساؤل: لم لا يتحدث مثلنا؟ لم لا يتصرف مثلنا؟ كيف يستطيع أخوه أن يفهمه؟ هل هما من كوكب آخر؟".

"في الحلقة الأولى، يبدأ الأطفال في فهم ما معنى طفل ذي احتياجات خاصة، كيف تعمل عقول هؤلاء بشكل مختلف، ولكنهم أيضا لديهم هواياتهم ويتمتعون بمهارات خاصة". واستطردت "يذهب الأطفال في مغامرات عدة ويلتقون أطفالا آخرين: طفل لديه متلازمة داون، طفلة تعاني من صعوبات التعلم".

وبالتعاون مع أخصائي الإعاقة، صاغت ريم السيناريو لتصوير أنواع مختلفة من الإعاقات بدقة.
وتوضح هالة إبراهيم (أخصائية في الإعاقات التطورية والتوحد في الأردن) أن الأطفال ذوي الإعاقات التطورية "لديهم براءة في فهمهم للآخرين، وبالتالي يتوجب عليك توعيتهم بأن هناك أشخاصا قد يسببون لهم الأذى أو يقومون باستغلالهم".

‪
‪"حبايبنا" متخصص في نشر المواد المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة‬ "حبايبنا" متخصص في نشر المواد المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة (الجزيرة)

"حبايبنا"
ومع إحباطها بسبب قلة المصادر الإلكترونية المتاحة، أطلقت ريم بالتعاون مع زوجها موقعا بالعربية على الإنترنت على أمل أن يصبح مصدرا ومرجعا لأولياء الأمور من ذوي الاحتياجات الخاصة.

"حبايبنا" اسم الموقع الذي يعرض فيديوهات قصيرة لأخصائيين يقدمون نصائح وتوجيهات للآباء، ومن المقرر أن يتم إصدار دليل للمؤسسات والأطباء في الأردن، والعمل على توسيع الفكرة بشكل أكبر في دول أخرى.

"قمنا بتسميته (حبايبنا) لأننا نؤمن أن أطفالنا وبغض النظر عن قدراتهم لايزالون أحباءنا.. بعد كل هذا الدعم الذي تلقيته، وكل هذه المعرفة والمهارات الجديدة التي اكتسبتها في كيفية التأقلم مع أطفالي، أدركت حقا أن أحبهم أكثر وأكثر من السابق. إنهم أنقياء جدا".

المصدر : الجزيرة