رائحة الموت بالموصل بعد أشهر على معاركها

The ruins of the Grand al-Nuri Mosque and al-Hadba minaret are seen in the destroyed Old City of Mosul, Iraq August 5, 2017. REUTERS/Suhaib Salem
السكان يتحدثون عن آلاف الجثث تحت الركام في حين تنفي السلطات (رويترز)

تتصاعد رائحة الموت وتزكم الأنوف من أركان تمتلئ بالركام وسط الخراب الذي حلّ بالشطر الغربي من مدينة الموصل شمالي العراق، ومن سيارات يأكلها الصدأ لا تزال مفخخة بالمتفجرات، ومن بيوت مهجورة بعدما فرّ من استطاع من النهاية الدموية لحكم تنظيم الدولة الإسلامية الذي استمر ثلاث سنوات.

يدرك العراقيون الذين عادوا إلى المدينة صعوبة العيش وسط الركام الذي خلفته المعارك ضد تنظيم الدولة، لكنْ ثمة أمر واحد في المنطقة يجدون أنه لا يطاق بعد مرور سبعة أشهر على توقف القتال.

العائدون يقولون إنهم ربما يستطيعون العيش من دون توفر أهم الاحتياجات الأساسية كالكهرباء وغيرها، لكن أكثر ما يقلقهم هو وجود الجثث في شوارع المدينة والتي "تنشر الأمراض وتذكر بفظائع الحرب".

غالبية الجثث الملقاة في العراء في شوارع كثيرة هي لمقاتلين من التنظيم، في حين يقول سكان ومسؤولون بالمدينة ذات الغالبية السنية والتي لم يعد إليها من سكانها إلا خمسة آلاف، إن جثث آلاف من المدنيين لم تنتشل بعد من الأنقاض، لكن الحكومة العراقية ترفض ذلك.

قوات الدفاع المدني تنتشل بعض الجثث في الموصل القديمة (غيتي)
قوات الدفاع المدني تنتشل بعض الجثث في الموصل القديمة (غيتي)

قوات الدفاع المدني في المدينة المكلفة برفع الجثث وإصدار شهادات الوفاة، تؤكد عدم وجود "جثث أخرى لمدنيين لانتشالها في الموصل".

ويقول الدفاع المدني إنه جمع جثث 2585 مدنيا حتى منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، وإنه لم يتم التعرف على أصحاب الكثير منها، وإنه استكمل عملياته ولا يريد إهدار موارده على جثث عناصر التنظيم.

ويوضح رئيس قوات الدفاع المدني في المدينة العميد محمد محمود أنهم لا يريدون أن يمنحوا "الإرهابيين فرصة الدفن اللائق".

الخلاف على جثث القتلى يهدد بزيادة غضب سكان المدينة الذين أرهقتهم حرب صعبة، كما أن العدد النهائي للقتلى من المدنيين مسألة سياسية لها حساسية كبرى في العراق وخارجه.

 السكان يتحدثون عن مقابر جماعية لذويهم (غيتي)
 السكان يتحدثون عن مقابر جماعية لذويهم (غيتي)

مقابر جماعية
اضطرت مديرية البلدية إلى تشكيل فريق متخصص لتلقي طلبات سكان المدينة للعثور على أكثر من تسعة آلاف مفقود أغلبهم شوهدوا لآخر مرة في الحي القديم ومن المفترض أنهم دفنوا تحت الركام.

ويعمل الفريق حاليا على إنجاز طلبات لرفع ثلاثمئة جثة، ويرسل مجموعات لانتشالها كلما أمكن. لكن هذه الجثث هي التي شاهدها جيران أو أفراد العائلات أو المارة وحددوا مواقعها.

ويقول رئيس لجنة انتشال الجثث بمديرية البلدية دريد حازم محمد إنهم لا يعرفون عدد الجثث الأخرى تحت الركام، "إذا لم تتصل بنا أسرة أو شاهد رأى الناس يموتون لإبلاغنا على وجه التحديد بعدد الجثث في موقع ما، فلا سبيل لنا لمعرفة ما إذا كانت هناك جثة أو خمسة أو مئة مدفونة فيه".

في الوقت ذاته، يقول السكان إنه تم حفر قبور جماعية مع اشتداد حدة المعارك، ويؤكد بعضهم أن مئة من جيرانهم دفنوا بشكل جماعي في قبور غير عميقة في باحة مسجد أم التسعة بالحي القديم، بينما يؤكد المواطن محمود كريم "دفنت أنا بنفسي بين 50 و60 شخصا بيدي، بينما كانت الطائرات تحلق فوق الرؤوس وتقصف المدينة".

السلطات تتفحص جثثا تم انتشالها من تحت الركام بالموصل (غيتي)
السلطات تتفحص جثثا تم انتشالها من تحت الركام بالموصل (غيتي)

ورجع العديد من السكان لاستخراج جثث أقاربهم لدفنها في مقابر ملائمة، لكن كثيرا من الجثث لم تعرف عائلاتها.

ولم تذكر مديرية البلدية في الموصل العدد المحدد للخسائر البشرية في صفوف المدنيين، غير أن رئيسها عبد الستار الحبو قال إنه يتفق مع تقديرات بمقتل نحو عشرة آلاف مدني خلال المعركة بناء على تقارير المفقودين ومعلومات عن القتلى من المسؤولين، ويشمل الرقم ضحايا القتال البري وضحايا قصف قوات التحالف الدولي.

وأوضح تجميع محصلة تقارير أن الجيش الأميركي اعترف بقتل 321 مدنيا بناء على "مزاعم لها مصداقية"، وأوضحت البيانات أن التحقيق ما زال جاريا في مئة تقرير آخر عن سقوط ضحايا بضربات التحالف قرب الموصل كل منها يشير إلى قتيل أو قتلى عديدين.

السلطات تقول إن مقاتلي التنظيم لا يستحقون دفنهم بشكل لائق (رويترز)
السلطات تقول إن مقاتلي التنظيم لا يستحقون دفنهم بشكل لائق (رويترز)

مقاتلو التنظيم
ورغم أن أبرز المشاكل في الموصل هي جثث المقاتلين المتروكة في الشوارع، فإن السكان يقولون إنهم عثروا أيضا على جثث لأفراد يشتبه في أنهم من أقارب أعضاء تنظيم الدولة في بيوتهم.

وقال صاحب بيت في الحي القديم إنه ظل أسابيع يطلب من الدفاع المدني المجيء لرفع جثتين لامرأة وطفل من حجرة النوم الرئيسية في بيته بالطابق السفلي، إلا أن الدفاع المدني رفض "لأنهم قالوا إن المرأة والطفل من (تنظيم الدولة) داعش".

ولجأت بعض العائلات إلى الحفر بنفسها لاستخراج جثث ذويها مثل مصطفى نادر (23 عاما) الذي عاد باحثا عن عبد الله أحمد حسين عم والده.

ومن الممكن التعرف على بعض المقاتلين من ملابسهم، بينما كشف جيران للحكومة عن هوية بعضهم، وعثر على بعض الجثث لمقاتلين ما زالوا ممسكين بسلاحهم الذي استخدموه في المعركة الأخيرة في مواجهة القوات العراقية وقوات التحالف التي حاصرتهم.

ومما يعرقل جهود فريق الانتشال التابع لمديرية البلدية قلة الأموال المخصصة له، ففي أيام عدة خلال يناير/كانون الثاني الماضي اضطر أفراد الفريق لوقف العمليات لنقص القفازات والأقنعة وأكياس الجثث.

وجمع فريق البلدية 348 جثة لعناصر من التنظيم حتى الآن، لكن لا يزال عدد كبير منها موجودا، ويمر السكان بها في طريقهم لجلب المياه من المضخات المؤقتة في أحد الشوارع بينما يلعب أطفال صغار على مسافة غير بعيدة من جثتين على عتبة أحد البيوت.

المصدر : رويترز