"انتصار" سيدة مصر الأولى.. على خطى من؟
عبد الرحمن محمد-القاهرة
هذا النشاط اللافت للسيدة انتصار خلال المؤتمر، يرى مراقبون أنه يأتي في إطار "تصعيد" متتابع لحضور زوجة الرئيس كسيدة أولى لمصر في المشهد السياسي، سبقه استقبالها السيدة ميلانيا ترامب زوجة الرئيس الأميركي خلال زيارة الأخيرة لمصر الشهر الماضي، ومشاركتها زوجها في لقاءات مع زعماء دول في الفترة الأخيرة.
ومع هذا التصعيد، تأتي التغطية الإعلامية المكثفة من قبل وسائل الإعلام المصرية لهذا الحضور كإحدى الوسائل الداعمة والفاعلة في صناعته، يرافقها تدشين متأخر لصفحة السيدة انتصار الرسمية (منتصف أغسطس/آب الماضي) التي أصبحت رافدا أساسيا لأخبار سيدة مصر وتصريحاتها وصور مشاركاتها المختلفة.
وكانت وسائل إعلام محلية في مرحلة سابقة قد نقلت عن السيسي ما يعكس عدم رغبته في ظهور زوجته في الحياة العامة، وتبريره ذلك بحرصه على عدم إزعاجها بأمور السياسة والشأن العام، وتفضيله أن ينحصر دورها في رعايتها أبناءهم مع تأكيده بالاعتراف والإيمان الكامل بدور المرأة.
وانتصار عامر التي وصل زوجها للرئاسة في يونيو/حزيران 2014، أم لأربعة أبناء وابنة خالة عبد الفتاح السيسي الذي تزوجها عام 1977 بعدما أنهى دراسته في الكلية الحربية، ونُسِب إليها عدم حبها للظهور الإعلامي إلا للضرورة، وإيمانها بأن دور المرأة الحقيقي يأتي مساندا لزوجها وداعما لأبنائها.
ولعل تجدد الحديث الناجم عن تغير شكل حضور زوجة السيسي وتصاعده، نابع من مكانة "السيدة الأولى" داخل المجتمع المصري، وما كانت تحدثه من جدل بما تلعبه من أدوار في الحياة العامة، حيث اختلفت زوجات رؤساء مصر السابقين من حيث الشخصية والظهور الاجتماعي وما قمن به من أدوار.
فخلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لم تحظ السيدة تحية كاظم بأي امتياز سوى كونها زوجة الرئيس وأم أولاده، وكان ذلك بإيعاز ورغبة منه، أظهرها رده على سؤال عن ذلك بأن زوجته ليست أفضل المصريات حتى تنال مكانة خاصة لمجرد كونها زوجة الرئيس.
و"تحية" ابنة تاجر إيراني وتزوجها عبد الناصر في يونيو/حزيران 1944، وأنجبت له خمسة أبناء. وكان عبد الناصر يرى أن حياته العائلية تخصه وحده، ويتعين الفصل بينها وبين العمل العام، وظلت "تحية" بعيدة عن الأضواء، ولم تحضر حفلة رسمية، أو تقابل زائرا من زوار زوجها.
أمر مختلف
على النقيض، كان حضور السيدة جيهان صفوت زوجة الرئيس أنور السادات بارزا بشكل كبير في الحياة العامة، وحرصت على الظهور في كل المناسبات، وكانت أول من حمل لقب "سيدة مصر الأولى"، وطغى حضورها على شخصية زوجها وتدخلت في قراراته في أحيان مختلفة.
وحسب مؤرخين، مارست جيهان التي قالت إن دور زوجة الرئيس يضفي عليها مسؤوليات والتزامات عديدة، سلطتها في الضغط لتمرير قانون الأحوال الشخصية الذي ينص على أن بيت الزوجية من حق الزوجة، وعرف بقانون جيهان، وتم إسقاطه عام 1985 بدعوى عدم دستوريته.
وجيهان عملت مُحاضرة بجامعة القاهرة وأستاذة زائرة بالجامعة الأميركية، وكانت زوجة السادات الثانية وتزوجها عام 1949 وأنجبت منه ثلاث بنات، وتبنت مشروعات كبيرة أبرزها مشروع تنظيم الأسرة المصرية، وأسست جمعية الوفاء والأمل، وكانت من مشجعات تعليم المرأة وحصولها على حقوقها.
وعلى خطى جيهان، جاءت السيدة سوزان ثابت زوجة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، التي حملت لقب سيدة مصر الأولى لأطول فترة (ثلاثون عاما)، وهي من أم بريطانية، وكان حضورها قوياً ومؤثراً، وكان لها تأثير غير خفي على زوجها، ولا تزال بعض المشاريع التي تبنتها مستمرة ومنها مكتبة الأسرة، ومهرجان القراءة للجميع.
وترأست سوزان مبارك المركز القومي للطفولة والأمومة، كما ترأست اللجنة القومية للمرأة المصرية، وتولت منصب رئيس المؤتمر القومي للمرأة، وهي مؤسسة ورئيسة جمعية الرعاية المتكاملة، كما ترأست جمعية الهلال الأحمر المصري.
عود للسيرة الأولى
واختلف الحال مع نجلاء محمود زوجة الرئيس المعزول محمد مرسي، فرغم كونها أول زوجة رئيس محجبة، رفضت خلال فترة رئاسة زوجها لقب "سيدة مصر الأولى"، وقالت إنها تفضل أن تكون خادمة مصر الأولى، مبررة ذلك بأن هذا اللقب أطلق على جيهان وسوزان وعكس تدخلهما -حسب قولها- في كل شيء.
وتعرضت نجلاء لحملة انتقادات على شبكات التواصل الاجتماعي قبل تولي زوجها رئاسة البلاد وأيضا خلالها، ولم تظهر معه في أي فعاليات أو لقاءات خلال عام رئاسته.
ولم يستقر الحال كثيرا بنجلاء في قصر الحكم، حيث تم عزل زوجها بعد عام واحد إثر انقلاب عسكري قاده وزير دفاعه آنذاك عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013.
ويرى خبراء أن الاختلاف الحاصل بين زوجات رؤساء مصر راجع إلى تنشئتهن الاجتماعية، فزوجات عبد الناصر ومرسي لهن شخصية تقليدية تنزع إلى رعاية الأسرة، أما زوجات السادات ومبارك فلهما أصول غربية (كلتاهما من أم بريطانية)، وقد نشأتا على أفكار المساواة والظهور، ومن هنا كانت رغبتهما في السيطرة أكبر.
ويأتي تردد وضع انتصار السيسي المتذبذب بين خفوت في فترة رئاسته الأولى، وحضور متصاعد مع منتصف العام الأول في فترته الثانية، ليثير تساؤلا عما إذا كانت ستقتفي أثر جيهان وسوزان في القيام بدور فاعل ومؤثر في الحياة العامة، أم ستقنع بكونها زوجة الرئيس وأم أولاده كما كان الحال مع تحية ونجلاء.