مكالمات "العوز" تغزو برامج الطبخ المصرية

متصلة تطلب من أهل الخير مساعدة والدتها التي تعاني من فشل كلوي، ومعاشها لا يزيد على خمسمئة جنيه (نحو 28 دولارا)، وأخرى غارمة تخشى السجن فلا يجد أولادها من يعولهم، ورجل يحتاج إلى أربعة آلاف جنيه (نحو 225 دولارا) كي يجري عملية جراحية لوالدته.

أما السيدة ماجدة فلم تستطع البوح بحاجتها على الهواء، وطلبت من مقدمة البرامج بصوت مخنوق أن تكلمها بعيدا عن الآذان، ثم بكت وفاض منها الدمع لينحبس الصوت.

تلك المداخلات لم تكن في برامج أو فقرات تصل أصحاب الحاجة بأهل البر والإحسان، بل كانت في برامج للطبخ بقنوات مصرية يتصل جمهورها غالبا ليسألوا الطهاة المحترفين عن كيفية عمل "المكرونة بالبشاميل" أو حتى "البط بالبرتقال".

مواطنون "يحسبهم الجاهلون أغنياء من التعفف"، لكنهم وقعوا في فخ العوز نتيجة السياسات الاقتصادية لرئيسهم الذي يقول إنه سيخرج مصر من العوز فلجؤوا إلى برامج لا تطالها يد الرقابة بعد أن اختفت معظم البرامج التي كانت تقبل هذه النوعية من المداخلات.

إعلامي شهير أوقف برنامجه ومنع من الظهور نتيجة تعاطفه مع بعض حالات الكادحين أكد لنا أن هناك تعليمات شفهية ممن يهيمنون على الإعلام الآن -رفض تسميتهم صراحة- تمنع أو على الأقل تطلب التخفيف من تلقي البرامج هذه النوعية من المكالمات بحجة أن تكاثر تلك الحالات يشير بوضوح إلى تردي الحالة الاقتصادية، ويتعارض مع الأرقام المتفائلة التي يعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته.

وأشار الإعلامي الشهير -الذي فضل عدم ذكر اسمه خوفا من التعرض لأذى- إلى أن مصدري التعليمات قالوا للقائمين على البرامج إن هذه النوعية من المكالمات سيطالها قانون جديد قارب على الصدور يحظر ويجرم جميع مظاهر التسول.

قانون جديد
وبدلا من تحرك برلماني يساعد الفقراء ويشعر بآلامهم قالت نائبة في البرلمان المصري إنها انتهت من وضع اللمسات الأخيرة لقانون يحظر ويجرم كل صور التسول لتقديمه إلى المجلس ليأخذ دورته التشريعية وإقراره.

وأكدت عبلة الهواري -وهي عضوة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب- في تصريحات صحفية أن مشروع القانون يعرف المتسول بأنه كل من يحصل على مقابل مادي دون وجه حق نظير خدمة يصطنعها، أو غير خدمة، وبالتالي يدخل "الركّين"، و"السائس" -وهم أشخاص يقفون بالشوارع للمساعدة في ركن السيارات مقابل مبلغ معلوم- ضمن ذلك التعريف.

وسيصنف القانون التسول جنحة يعاقب عليها بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات بدلا من الغرامة في القانون الحالي، حسب تصريحات الهواري.

 

هل يعد هذا تسولا؟
وينفى شادي طلعت مدير منظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية والديمقراطية للجزيرة نت أن يكون طلب المساعدة الطبية تسولا، لأن المتبرع يدفع إلى المستشفى أو الطبيب مباشرة ولا يدفع نقدا للسائل، مستدركا أن حالات الدفع نقدا إلى السائل تقع تحت طائلة القانون.

وأبدى طلعت اندهاشه من التصريحات بشأن مشروع القانون قائلا: من الصعب تشريع قانون جديد خاص بجريمة التسول فقط، فالتسول كأي جنحة أو جريمة أخرى، ويوجد لدينا قانون العقوبات، وهو وحده الشامل لكافة الجرائم والعقوبات، ولكن يمكن إضافة مادة خاصة بالتسول لا تشريع قانون خاص به.

وقد تكون إضافة مادة خاصة بالتسول أمرا مختلفا إذا ما تم توسيع كلمة التسول لتشمل بعض المهن التي تعد في جوهرها نوعا من التسول لكنها تتستر بغطاء آخر، وسيكون هذا أمرا جديدا، إذ إن القانون الحالي لا يجرم تلك المهن، كمهنة السايس، فالتجريم سيحد من الظاهرة لكن لن يقضي عليها، فالتسول موجود في كافة دول العالم، بل وأكثر الدول حضارة، على حد قول طلعت.

دور الدولة
بينما ترى عضوة لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب مارجريت عازر أن مواجهة ظاهرة التسول لا يجب أن تقتصر على قانون، بل باضطلاع الجهات المعنية في الدولة بدورها في توفير إحصائيات دقيقة وشاملة للظاهرة ونية صادقة في محاربة التسول من خلال توفير فرص عمل تستوعب من يمتهن التسول، واستغلالهم في أمور تفيدهم، وتعود على البلد بالنفع.

ورصد قسم الجريمة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في آخر دراسة أجريت عام 2016 أن عدد المتسولين بالقاهرة بلغ 14 ألفا و400 متسول مقابل تسعة آلاف بالإسكندرية، في حين احتلت الجيزة المرتبة الثالثة بـ7600 متسول، تليها محافظة الغربية بـ5800، ومحافظة الدقهلية بثلاثة آلاف متسول.

بينما قدرت دراسة أخرى لمركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (مستقل) عدد المتسولين في العاصمة المصرية وحدها بخمسين ألفا -نصفهم من الأطفال- يعملون تحت إمرة أشخاص يديرونهم من خلف الستار، مؤكدة أن العاملين في هذا "البيزنس" يجنون ما لا يقل عن مليار جنيه شهريا.

المصدر : الجزيرة