"الجنسية المولودة" تنتظر الوأد بيد ترامب

New citizens stand during the Pledge of Allegiance at the U.S. Citizenship and Immigration Services (USCIS) naturalization ceremony at the New York Public Library in Manhattan, New York, U.S., July 3, 2018. REUTERS/Shannon Stapleton
قسم الجنسية الأميركية أمل ينتظره كثيرون (رويترز)

مجدي مصطفى-الجزيرة نت

بإعلان عزمه على إنهاء الحق الدستوري الذي يمنح الجنسية تلقائيا لأي طفل يولد في الولايات المتحدة؛ يعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقارب الساعة 150 عاما إلى الوراء، متراجعا بذلك عن أحد الإنجازات التي حققتها القيادات الأميركية بعد الحرب الأهلية هناك في منتصف القرن 19.

تعهدات ترامب بغلق الأبواب أمام المهاجرين، وإعادتهم إلى أوطانهم التي جاؤوا منها دون محاكمة، تطورت إلى التعهد بإصدار أمر تنفيذي بمنع حق حصول الأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأبوين غير أميركيين على الجنسية الأميركية، قائلا إن مستشاريه أكدوا له أن إصدار مثل هذا الإجراء "من بين سلطات رئيس الدولة".

ويمهد ترامب بتصريحه الأخير لإلغاء التعديل 14 في دستور بلاده، والذي يمنح الجنسية لكل طفل ولد على أرضها، مغلقا بذلك أحد أبواب الحلم الأميركي الذي أنفق كثيرون حول العالم الغالي والنفيس من أجله، لكن الطامحين أصبحوا فاقدي الأمل، بينما بات من حصل أحد أولادهم على الجنسية فريسة للقلق.

‪الحلم الأميركي صار كابوسا في عهد ترامب‬ (رويترز)
‪الحلم الأميركي صار كابوسا في عهد ترامب‬ (رويترز)

قصة التعديل  
بموجب التعديل 14 في الدستور الأميركي الذي تم التصديق عليه بعد الحرب الأهلية التي حدثت بين عامي 1860 و1864؛ تكتسب الجنسية الأميركية من خلال الولادة على الأرض الأميركية، حيث جاء التعديل لتأمين الجنسية للعبيد السود المحررين حديثا، واستخدم في ما بعد لضمان المواطنة لجميع الأطفال الذين ولدوا على الأراضي الأميركية.

والتعديل المشار إليه واحد من سلسلة تعديلات أخرى في تلك الحقبة بغرض الحماية الدستورية للمتحررين حديثا، والبالغ عددهم أربعة ملايين نسمة، فالتعديل 13 الذي تم التصديق عليه في ديسمبر/كانون الأول 1865 سمح للرئيس أبراهام لينكولن بإنهاء العبودية في كافة الولايات.

وضمن التعديل 14، الذي تم التصديق عليه في يوليو/تموز 1860، أن المواطنة حق للجميع، بما في ذلك السود.

أما التعديل 15، الذي تم التصديق عليه بعد عشر سنوات، فمنح حقوق التصويت للرجال السود، وأكد أن هذه الحقوق يجب ألا يتم إنكارها على أساس"العرق أو اللون أو حالة العبودية السابقة"، كما نص على أن جميع المولودين أو المتجنسين في البلاد "هم من مواطني الولايات المتحدة".

وألغى التعديل 14 قرار المحكمة العليا لعام 1857 في قضية دريد سكوت ضد ساندفورد، التي قضت بأن أولئك المنحدرين من العبيد لا يمكن أن يكونوا مواطنين.
 
وكان دريد سكوت وزوجته هارييت من العبيد الذين رفعوا دعوى لنيل حريتهم بعد نقلهم من ولاية العبيد في ميسوري إلى الأراضي التي تحظر العبودية في ويسكونسن وإيلينوي.

وظلت الفكرة التي تقول إن أطفال المهاجرين الذين ولدوا في الولايات المتحدة كانوا مواطنين أميركيين بشكل تلقائي غير واضحة حتى عام 1898، وذلك عندما حكمت المحكمة العليا الأميركية بأن وونج كيم آركس المولود في سان فرانسيسكو مواطن أميركي لأنه ولد في الولايات المتحدة.
 
وينبه إيرل مالتز الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة روجرز إلى أنه على الرغم من شرط المواطنة والحماية المتساوية الممنوحة بموجب التعديل 14، فقد تم حرمان الأميركيين الأصليين من مزايا المواطنة طوال عقود. 

ويوضح -حسب ما نقلته عنه وكالة أسوشيتد برس- أنه لم يُنظر إلى الأميركيين الأصليين الذين ظلوا تحت هياكل قبلية في تحديد عدد الممثلين في الكونغرس، وحتى إذا تركوا الهياكل القبلية فلم يكونوا مؤهلين للتجنس مثل البيض، لكن  الكونغرس منحهم هذا الحق في عام 1924.

‪جانب من احتجاجات في نيويورك ضد سياسة ترامب تجاه المهاجرين‬ جانب من احتجاجات في نيويورك ضد سياسة ترامب تجاه المهاجرين (الأناضول-أرشيف)
‪جانب من احتجاجات في نيويورك ضد سياسة ترامب تجاه المهاجرين‬ جانب من احتجاجات في نيويورك ضد سياسة ترامب تجاه المهاجرين (الأناضول-أرشيف)

الحرمان قرين الأزمات
ورغم ذلك أيضا، سجل التاريخ الأميركي في مراحل أخرى عدة أزمات؛ حيث مُنع المكسيكيون المولودون في الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن الماضي من المواطنة عندما رحلتهم سلطات كاليفورنيا وتكساس إلى المكسيك خلال فترة الكساد الكبير منذ عام 1929، وحتى بداية الأربعينيات من القرن الماضي. 

كما حُرم الأميركيون المولودون في الولايات المتحدة من حماية المواطنة عندما أُجبروا على دخول معسكرات الاعتقال اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.

وبالعودة إلى تصريحات ترامب، يقول مدير قسم الهجرة في مركز جامعة هيوستن للقانون جيفري هوفمان إن حجج بعض أنصار قيود الهجرة الداعين إلى حرمان الأطفال الذين ولدوا في الولايات المتحدة من الجنسية خاطئة؛ لأن أي شخص في الولايات المتحدة، إلى جانب الدبلوماسيين، سيخضع للقوانين بغض النظر عن وضع الهجرة.

كما يعتبر أي أمر تنفيذي من جانب ترامب أو أي رئيس "يمكن أن يخضع لتحد قضائي، وهناك العديد من المقالات في الدستور التي من شأنها أن تجعل من الصعب مكافحة بند المواطنة".

ويرى هوفمان أن الأمر التنفيذي الذي يحظر شرط الجنسية ينتهك المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الرئيس "يجب أن يهتم بتنفيذ القوانين بإخلاص"، مضيفا أن مثل هذا الأمر التنفيذي "ينتهك قوانين إلغاء الجنسية، وسيحاول تجريد الجنسية بأثر رجعي، وهو انتهاك آخر للدستور".

أما مارثا جونز المؤرخة بجامعة جونز هوبكنز، ومؤلفة كتاب جديد عن حقوق المواطنة في الولايات المتحدة، فتؤكد أن الأوضاع في الولايات المتحدة "تسير على حسب الحاجة؛ فالمواطنون البيض لا يطالبون أبدًا بحقوقهم في المواطنة، ولكن يقع العبء على ذوي الأصول الأفريقية".

المصدر : الجزيرة + وكالات