حياة بلقاسم.. "رجل" العائلة التي أنهت رصاصات حلمها بالهجرة

خدوج حمدوني تحمل صورة ابنتها حياة بلقاسم التي قتلت برصاص البحرية المغربية وهي تحاول الهجرة بطريقة غير نظامية إلى إسبانيا
خدوج حمدوني تحمل صورة ابنتها حياة بلقاسم التي قتلت برصاص البحرية المغربية وهي تحاول الهجرة بحرا إلى إسبانيا (الجزيرة)

وصال الشيخ-تطوان

في 25 سبتمبر/أيلول 2018 استعدت حياة بلقاسم لركوب زورق والانطلاق نحو إسبانيا لتلتحق بعمتها هناك على أمل تحقيق حلمها بعمل جيد وأحلام عائلتها في بيت مريح، قبل أن تنتهي حياتها في البحر جراء إصابتها برصاصة أطلقها جندي مغربي، وقد أصاب معها ثلاثة آخرين كانوا على متن زورق يقوده شخص يحمل الجنسية الإسبانية على سواحل مدينة مرتيل شمالي المغرب.

عاشت حياة -التي انقطعت عن دراسة الحقوق وعملت في تنظيف المنازل مقابل مئة دولار شهريا- مع والدها المريض نفسيا ووالدتها التي تعمل في مصنع لإزالة قشور الجمبري مقابل 150 دولارا شهريا.

وفي حي مورسيا بتطوان حيث تقطن عائلة الراحلة حياة بلقاسم تبدو ملامح حي مهمش واضحة، وفي هذا الحي خرجت جنازة الفقيدة من بيت عمتها، وعلى بعد خطوات من البيت التقت الجزيرة نت والدة الراحلة في منزل فقير وهي مصدومة وعاجزة عن الحركة.

مكانة الفقيدة
تروي والدة الفقيدة خدوج حمدوني كيف أن ابنتها حياة كانت بمثابة رجل البيت ومساعدتها وصديقتها وكاتمة أسرارها، فهي البنت الكبيرة، وقد كانت مسؤولة عن أخواتها وتعليمهن.

وتضيف الأم أن حياة كانت عصامية، وكان حلمها أن تصل إلى أوروبا لتعمل وتشتري سيارة وتوفر حياة كريمة لعائلتها.

قالت حياة لأمها يوما "إننا فقراء ولن أستطيع إنهاء تعليمي"، أرسلت سيرتها الذاتية إلى الكثير من الجهات ولكن الأبواب كانت مغلقة، ثم بدأت تفكر بالهجرة للنهوض بوضع عائلتها فهي في مقام والدها الذي لا يقوى على الحركة.

وكانت حياة تقول لوالدتها "نحن ضائعون وفقراء جدا، ليس لإخوتي مستقبل في تعليم جيد". وتحكي خدوج كيف أن ابنتها بدت مؤخرا مهمومة ودائمة العصبية، قبل أن تبكي وتقول "أتمنى لو بقيت تشاركني الخبز والماء".

تأجيج احتجاجات
أجج مقتل حياة مشاعر استياء في صفوف المغاربة، مطالبين السلطات بفتح الحدود أمام الشباب للهجرة غير النظامية بعد أن ضاقت بهم سبل العيش في وطنهم.

وبرر وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد الحادثة في مقابلة صحفية بقوله إن "السلاح لم يكن أبدا موجها للفتاة أو مهاجرين آخرين، بل كان لقائد الزورق الذي يحمل الجنسية الإسبانية بعد اختراقه المجال البحري الوطني عدة مرات"، معللا بأن الجندي الذي أطلق النار لم ير الضحية.

ولم يمنع قرار النيابة العامة المغربية فتح تحقيق في مقتل حياة بلقاسم اندلاع الاحتجاجات في مدينة تطوان، كان آخرها يوم الجمعة الماضي 28 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ طالب مشجعو فريق "المغرب التطواني" لكرة القدم أثناء مباراة بتحقيق العدالة في قضية مقتل بلقاسم.

‪مئات المغاربة في احتجاج بمدينة تطوان على مقتل حياة بلقاسم وقد رفع بعضهم علم إسبانيا التي يحلم الكثير منهم بالهجرة إليها‬ (مواقع التواصل)
‪مئات المغاربة في احتجاج بمدينة تطوان على مقتل حياة بلقاسم وقد رفع بعضهم علم إسبانيا التي يحلم الكثير منهم بالهجرة إليها‬ (مواقع التواصل)

وامتد الاحتجاج لتندلع أعمال شغب في الشوارع الرئيسية لتطوان اعتقل عقبها خمسة قاصرين في سجن محلي بتهمة ارتكاب أعمال الشغب.

وقد طالبت جمعيات نسائية وأحزاب سياسية وزارة الداخلية المغربية بالكشف عن حيثيات الحادثة في عرائض احتجاجية وفي أسئلة موجهة إلى وزارة الداخلية أثناء جلسة لمجلس النواب عقدت السبت الماضي.

بالمقابل، لاذت الحكومة المغربية بالصمت قبل أن يخرج رئيسها سعد الدين العثماني أول أمس الاثنين مصرحا في اجتماع لحزبه العدالة والتنمية بأن "المغرب هو ضحية للهجرة السرية كونه معبرا وبلدا مستقبلا للمهاجرين"، وعبر العثماني عن ألمه لمقتل حياة، مؤكدا أن "النيابة العامة قد باشرت التحقيق، وستتابع الحكومة نتائجه".

وتأتي الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مقدمة دوافع الشباب والفتيات للهجرة، ومنها الفقر والبطالة، كما تعد الأمية والإحباط من الدوافع الأساسية وراء الهجرة غير النظامية.

موجة الهجرة
ويقول مرصد حقوق الإنسان في شمال المغرب إن الموجة الأخيرة للهجرة غير النظامية للمغاربة جاءت نتيجة "تخلخل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها المغاربة بفعل غياب المبادرات الحكومية الفعالة للنهوض بأوضاع الشباب وارتفاع معدلات البطالة بينهم".

ويضيف المرصد نفسه في تقرير نشره على صفحته بموقع فيسبوك أن "السلطات المغربية توقف الشباب القادمين من مدن مغربية داخلية إلى مدن الشمال بدافع الهجرة وتمنع اقترابهم من الشواطئ عقب توتر الأحداث".

مقتل حياة بلقاسم سلط الضوء على ظاهرة الهجرة المؤنثة، إذ تسعى مغربيات للهجرة بحثا عن حياة أفضل في أوروبا، ويعود ذلك إلى انتشار ثقافة اجتماعية شعبية تشجع الفتيات على السفر والعودة إلى المغرب ربما بجنسية أوروبية مع سيارة ووضع مادي أفضل، وهو ما يطرح تساؤلا بشأن أوضاع هؤلاء الفتيات في المغرب، واللواتي يواجهن المصير ذاته من الفقر والبطالة وقلة ذات اليد.

المصدر : الجزيرة