الطبيبة اليمنية "نهلة" وحيدة في مواجهة الدفتيريا

Nahla Arishi, a pediatrician, checks a boy infected with diphtheria at the al-Sadaqa teaching hospital in the southern port city of Aden, Yemen December 18, 2017. Picture taken December 18, 2017. To match Special Report YEMEN-DIPHTHERIA/ REUTERS/Fawaz Salman
نهلة العريشي تعالج أطفال عدن المصابين بالدفتيريا في مستشفى الصداقة (رويترز)

على مدى حياة مهنية مستمرة منذ عشرين عاما، لم تشهد طبيبة الأطفال بمستشفى الصداقة في عدن نهلة العريشي مرض الدفتيريا قط. لكن المستشفى استقبل أواخر الشهر الماضي طفلة في الثالثة من العمر مصابة بالحمى.

كانت رقبة الطفلة منتفخة وتعاني صعوبة في التنفس، وبعد ثمانية أيام لفظت أنفاسها الأخيرة. بعدها بفترة قصيرة استقبل عنبر الطبيبة طفلا عمره عشرة أشهر وهو يعاني من أعراض مشابهة، وبعد أقل من 24 ساعة على وصوله توفي أيضا.

ثم استقبل العنبر بعد ذلك طفلين في الخامسة من العمر بينهما صلة قرابة، ثم توفي أحدهما. كما لم يصمد رضيع في منتصف شهره الثاني سوى بضع ساعات، والتقط آخر أنفاسه عبر قناع أكسجين.

في صباح أحد أيام أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي وصل سامح (16 شهرا) إلى المستشفى بين يدي عمته وهو مصاب بالحمى. أدركت الطبيبة نهلة على الفور أن هذه حالة دفتيريا جديدة، فأمرت العمة بسرعة أن ترتدي قناعا.

بعد ثلاثة أعوام من الحرب وتفشي الكوليرا والمجاعة يواجه اليمن معركة جديدة، فقد سجل الأطباء في جميع أنحاء البلاد على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة ما لا يقل عن 380 حالة دفتيريا، وهي مرض بكتيري كان آخر ظهور له في اليمن عام 1992.

وتسبب الدفتيريا بكتيريا تصيب بشكل رئيسي الحلق والأنف والمسالك الهوائية وترسل سموما إلى مجرى الدم. وقد تراجع بشكل كبير خطرها على المستوى العالمي لأن معظم السكان يتمتعون بالحماية من خلال التطعيم الروتيني.

‪يعالج أطباء مستشفى الصداقة في عدن مرضاهم بوسائل بدائية‬ يعالج أطباء مستشفى الصداقة في عدن مرضاهم بوسائل بدائية (رويترز)
‪يعالج أطباء مستشفى الصداقة في عدن مرضاهم بوسائل بدائية‬ يعالج أطباء مستشفى الصداقة في عدن مرضاهم بوسائل بدائية (رويترز)

بالتنقيط
ومثل بلادها تجد الطبيبة نهلة صعوبة في التعامل مع الوضع، وكل شهر تلجأ هي وزملاؤها إلى أسلوب التغذية بالتنقيط لإطعام عشرات من نحو نصف مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية. كما أشرف العنبر على علاج المئات من نحو مليون شخص أصيبوا بالكوليرا.

وخلال الربيع أعادت نهلة وزملاؤها فتح جناح مهجور من مستشفى الصداقة وسيجوه وأقاموا مركزا بدائيا لعلاج الكوليرا، وهم الآن يعكفون على تحويل جزء من هذا المركز إلى عنبر للدفتيريا وطوقوا وحدات العزل بإغلاق أبواب الممرات.

ولكن في ظل وجود أسطوانات أكسجين يعلوها الصدأ وجهازين فقط صالحين للعمل من أجهزة التنفس الصناعي في قسم آخر بالمستشفى، ومع توقعات بأن وباء الكوليرا سيتفشى بوتيرة أكبر خلال الأشهر المقبلة، فإن أسلوبها في فرز المصابين لم يعد مجديا.

تقول نهلة "نستقبل مزيدا من المرضى لكننا لا نستطيع علاجهم.. ليست لدينا معدات ولا أموال.. لا بد لهذه الحرب أن تنتهي".

من جهته يقول أخصائي الرعاية الحرجة زاهر سحلول الذي شارك في تأسيس منظمة غير ربحية تدعى "ميدغلوبال"، إنه قبل سبعة أعوام كان 80% من الأطفال مطعمين بالكامل بثلاث جرعات للدفتيريا والسعال الديكي والتيتانوس، والآن يضيف أن هذه النسبة تراجعت إلى 60%.

وأدى تدهور عملية حفظ السجلات إلى وجود تضارب كبير في البيانات المتعلقة بنسب التطعيم. وتقول وزارة الصحة إن 85%من أطفال اليمن مطعمون ضد الدفتيريا والسعال الديكي والتيتانوس والتهاب الكبد "بي" والإنفلونزا البكتيرية منذ بداية الصراع، أي تراجع بنسبة 2% فقط من مستويات ما قبل الحرب.

وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أرسلت منظمة الصحة العالمية شحنة من مضادات الدفتيريا لعلاج المصابين بالفعل، بالإضافة إلى تطعيمات للعاصمة صنعاء. وقالت المنظمة إن التطعيمات تأخرت لمدة أسبوع بسبب الحصار السعودي.

الحرب أحيت مرض الدفتيريا المختفي في اليمن منذ التسعينيات وعدد المصابين 380 طفلا (رويترز)
الحرب أحيت مرض الدفتيريا المختفي في اليمن منذ التسعينيات وعدد المصابين 380 طفلا (رويترز)

وقال سحلول الذي كان يزور مركز العلاج بمستشفى الصداقة في ديسمبر/كانون الأول الماضي "يحتاج اليمن إلى خطة مارشال.. من الصعب وضع سيناريو متفائل إذا استمر الوضع الراهن".

وواجهت نهلة مشكلة في عزل الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الدفتيريا، وطلبت من إدارة المستشفى إغلاق باب مؤد إلى ممر بلوح خشبي، وخلف هذا الباب حاولت أن تعزل هؤلاء الذين قد ينقلون العدوى للآخرين.

لا موارد
لكنها كانت تفتقر إلى الموارد الأساسية لعلاج المرض الجديد، فمستشفى الصداقة مثله مثل مستشفيات أخرى في اليمن لا يملك التركيبات الدوائية اللازمة لمعرفة هل الشخص مصاب بالدفتيريا أم لا، بل إن كل تشخيصات الطبيبة لم تؤكدها فحوص مختبرات.

وقال مارك بونسين -وهو منسق إغاثة لدى منظمة "أطباء بلا حدود" في محافظة إب- إن الافتقار لخبرة حديثة يعني أن علاج الدفتيريا قد يكون مهمة أصعب. وأضاف "هناك نقص في المعرفة بشأن علاجه لأنه أصبح مرضا مهملا ومنسيا نوعا ما".

المصدر : رويترز