رئاسيات مصر.. السيسي يفضلها كوميديا سوداء
مجدي مصطفى
لم يخجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من طريقة إخراج مسرحية الانتخابات الرئاسية التي شاهدها العالم عام 2014، و"انتصر" فيها على الكومبارس الوحيد.
الساحة باتت خالية تماما إلا من السيسي، وحتى لو ظهر "كومبارس اللحظة الأخيرة" خلال الساعات القليلة المقبلة فلن يغير شيئا في طبيعة المشهد، بل سيزيده رداءة على رداءته، فالمشهد لا يعدو كونه كوميديا سوداء، وهذا النوع من الكوميديا هو ما يطرب له السيسي.
ثمة إجماع بين الوطنيين المصريين على أن البلاد تعود إلى الوراء عقودا طويلة، وأنها تعيش طبعة جديدة من الدكتاتورية تعتمد الاستفتاءات المحسومة نتيجتها سلفا؛ لكن الحديث عن الدكتاتورية والاستبداد لا يؤرق السيسي كثيرا.
فقاعة الإنجازات
وعلى الرغم من الحصاد المر لسنوات حكمه على الصعيدين الداخلي والخارجي، فإن السيسي وجوقته الإعلامية يصران أيما إصرار على "حديث الإنجازات"، وأن ما تحقق في سنين قليلة في عهده لم يكن ليحققه غيره في عقود.
ويركز خطاب السيسي بشكل حصري تقريبا على مواجهة الإرهاب الذي كان "محتملا" وأصبح فزاعة، والجهود الرامية إلى إحياء الاقتصاد الضعيف والبنية التحتية و"المشاريع الضخمة". ولطالما قال إن الحاجة إلى إعادة بناء البلاد تفوق المخاوف بشأن الديمقراطية والحقوق.
وبلغة ومفردات واحدة، تصور وسائل الإعلام الموالية للسيسي أنه الشخص الوحيد القادر على حل مشاكل مصر، بل إن بيان العدول عن الترشح الذي أعلنه الفريق أحمد شفيق برر تراجعه بتلك "الإنجازات الضخمة"، كذلك فعلها رئيس حزب الوفد السيد البدوي الذي تراجع أيضا مجددا دعمه للسيسي قائلا إنه سيكون الأقدر على التعامل مع "التحديات" التي تواجه البلاد.
حديث الإنجازات الإجباري يتجاهل تردي الأحوال المعيشية للمصريين والزيادات المتتالية لأسعار كافة السلع والخدمات مع ثبات الرواتب، وتضاعف التضخم، فضلا عن مستنقع الديون الخارجية التي تتحمل أعباءها الأجيال وبلغت أرقاما قياسية، وزيادة معدل الجرائم الاجتماعية رغم تضخم المؤسسة الأمنية التي بات همها الوحيد تأمين النظام.
وفي المقابل جرف الرجل الحياة السياسية تماما، وأتى على كل ما اعتبره المصريون مكسبا لثورة 25 يناير، وأشرف بنفسه على واحدة من أقسى عمليات القمع في الذاكرة، وسجن الآلاف من الإسلاميين جنبا إلى جنب مع نشطاء ثورة يناير 2011.
فالمظاهرات والاحتجاجات غير مصرح بها، وباتت البلاد محكومة بقبضة أمنية "غاشمة" اعتقلت وشردت عشرات الآلاف من كل التيارات، ونفذت عشرات أحكام الإعدام بحق المعارضين دون سند من قانون، وأسكتت معظم منتقدي النظام، وقيدت بشدة عمل المنظمات الحقوقية وعطلت عشرات المواقع الإخبارية على الإنترنت.
سر الاطمئنان
تمادي السيسي في تبديد مكتسبات ثورة 25 يناير -التي وصفها أخيرا بـ"أحداث يناير"- جعله مطمئنا إلى إحكام القبضة الأمنية إلى حد الجهر بالقول إنه لن يسمح لأحد بالجلوس على كرسي الحكم غيره.
شرعية الحكم لا تؤرق السيسي كثيرا خصوصا أنه لا يجد خطرا كبيرا من رد فعل عنيف أو توبيخ خطير من حلفائه في الغرب، خصوصا من الولايات المتحدة التي لم تسجل رسميا أي موقف مؤثر في سير هذه "المضحكة الانتخابية".
ويبدو أن ما يزيد من اطمئنان السيسي دوره المحوري في "صفقة القرن" التي تنازل بموجبها عن جزيرتي تيران وصنافير، وهجّر -ولا يزال يهجر- بسببها أهل سيناء ودمر منازلهم.
والسيسي -الذي أمم الحياة السياسية في مصر، واختزلها في شخصه رئيسا ومرشحا ومنافسا- لن يتردد بعد انتهاء المسرحية الانتخابية في المزيد من تكريس الدكتاتورية الجديدة بتعديل الدستور، خصوصا المواد المتعلقة بفترة الحكم التي تحدد المدة الرئاسية لأربع سنوات.