تيران وصنافير.. ملكية تائهة بين السياسة والقضاء

"تيران وصنافير" جزيرتان تقعان شمالي البحر الأحمر، وقعت مصر والسعودية اتفاقية لترسيم الحدود بينهما قضت بتبعيتهما لسيادة السعودية على اعتبار أنهما كانتا "أمانة عند مصر" منذ عام 1950، وهو ما أثار جدلا سياسيا وإعلاميا ونزاعا قضائيا بين الحكومة المصرية والمشككين في قانونية قرارها بشأن الجزيرتين.

معطيات عامة
1- جزيرة تيران: يقال إن اسمها يعني "الموجات البحرية"، تتكوّن أرضها من صخور القاعدة الغرانيتية القديمة، وتنحصر مصادر مياهها في ما يتجمع في حفرها من مياه الأمطار والسيول الشتوية.

تقع جزيرة تيران مباشرة عند مدخل "مضيق تيران" الفاصل بين خليج العقبة والبحر الأحمر، وتبلغ مساحتها نحو ثمانين كيلومترا مربعا، وتبعد ستة كيلومترات عن شواطئ شبه جزيرة سيناء، وثمانية كيلومترات عن السواحل الغربية للسعودية.

2- جزيرة صنافير: تقع صنافير شرق تيران على بعد نحو 2.5 كيلومتر منها، وتبلغ مساحتها نحو 33 كيلومترا مربعا، ويوجد جنوبيها خليج مفتوح يصلح ملجأ للسفن في حالات الطوارئ.

تشترك الجزيرتان في أهمية موقعهما الإستراتيجي لكونهما تقعان عند مدخل خليج العقبة في أقصى شمالي البحر الأحمر، ولذلك فإنهما تتحكمان في "مضيق تيران" الذي يعد المنفذ البحري الوحيد للأردن (ميناء العقبة)، وأحد المنافذ المهمة لإسرائيل لأنه يفضي إلى ميناء إيلات، إضافة إلى قربهما من الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء، خاصة منتجع شرم الشيخ المصري.

كما تتجلى الأهمية الإستراتيجية للجزيرتين في تحكمهما في الممرات الثلاثة الحيوية بالمنطقة، وهي "ممر إنتربرايز" الواقع بين تيران وشرم الشيخ ويبلغ عمقه 290 مترا، وهو الممر الوحيد الصالح للملاحة، و"ممر غرافتون" الواقع أيضا بين تيران وشرم الشيخ والبالغ عمقه 73 مترا، أما الممر الثالث فيقع بين الجزيرتين ويبلغ عمقه 16 مترا.

وتشترك الجزيرتان أيضا في أهميتهما سياحيا لطبيعتهما الساحرة وصفاء مياههما، ولذلك تعدان من أكثر الجزر جذبا للسياح على مستوى العالم، خاصة محترفي رياضة الغوص وهواة رحلات اليخوت السياحية، وتحتويان على جُزر وشعاب عائمة مرجانية متميزة، وعدد كبير من الكائنات البحرية والأسماك الملونة النادرة.

وقعت جزيرتا تيران وصنافير تحت الاحتلال الإسرائيلي أثناء "العدوان الثلاثي"، الذي شنته بريطانيا  وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956 ثم انسحبت منهما، لكنها أعادت احتلالهما مرة أخرى خلال حرب يونيو/حزيران 1967، ثم أعادتهما إلى مصر عام 1982 بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (معاهدة كامب ديفد) الموقعة 1979، فأصبحتا تحت إدارة القاهرة.

وقضت هذه المعاهدة بوضع الجزيرتين ضمن المنطقة "ج" المدنية التي لا يحق لمصر أن يكون لها فيها أي وجود عسكري، ونصت على اعتبار مضيق تيران وخليج العقبة "ممرين دوليين"، وجعْلهما تحت سيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات للتأكد من امتثال الطرفين للأحكام الأمنية الواردة في المعاهدة والمتعلقة بفتح خليج تيران.

وفي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تقدمت السعودية إلى القاهرة بمشروع إقامة جسر يربط أراضي البلدين عبر الجزيرتين ويبلغ طوله خمسين كيلومترا، ويقال إن مبارك رفض الفكرة بضغط أميركي إسرائيلي.

ولكن الرياض قررت تنفيذ المشروع بعد توقيع اتفاقية تبعية الجزيرتين لها ليكون "جسر الملك سلمان خطوة تاريخية يربط آسيا بأفريقيا والسعودية بمصر"، على حد قول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في تصريحات أدلى بها في 11 أبريل/نيسان 2016.

اتفاقية الترسيم
في السابع من أبريل/نيسان 2016 زار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مصر ووقع -في اليوم التالي- مع رئيسها عبد الفتاح السيسي عدة اتفاقيات، من ضمنها اتفاقية لترسيم خط الحدود البحرية بين البلدين، وكان ذلك تتويجا "لمباحثات دامت نصف قرن" بشأن الموضوع (حسب وسائل إعلام سعودية)، كان آخرها 11 جولة مباحثات استمرت ست سنوات.

وبناء على مرسوم ملكي سعودي وقرار جمهوري مصري، أعلنت الحكومة المصرية -في بيان رسمي صدر في التاسع من أبريل/نيسان 2016- انتهاء ملف الجزيرتين بإعلانهما تابعتين للسعودية، وأن اتفاقية ترسيم الحدود -التي تتألف من ثلاث مواد- ستقدم إلى مجلس النواب المصري للمصادقة عليها "لتدخل حيز النفاذ من تاريخ تبادل وثائق التصديق عليها"، حسب نص الاتفاقية.

وأضاف البيان أن لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين اعتمدت في الرسم الفني لخط الحدود على قرار رئيس الجمهورية المصرية الصادر عام 1990 حول تحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخاصة بالجمهورية المصرية، وأنه تم تبادل الخطابات الرسمية بين البلدين بهذا الشأن، وأرسل إخطار بذلك إلى الأمم المتحدة في مايو/أيار 1990.

كما استندت لجنة الترسيم إلى المرسوم الملكي السعودي الذي صدر عام 2010 ونص على تحديد نقاط الأساس للحدود الإقليمية البحرية والمنطقة الاقتصادية للسعودية.

وأكد الطرفان استخدام أحدث الأدوات التكنولوجية لتدقيق النقاط وحساب المسافات حتى تم رسم خط المنتصف بين البلدين "بدقة عالية جدا"، وبناء على ذلك "تبين من خلال الرسم الفني لخط الحدود" أن جزيرتي صنافير وتيران "تقعان في المياه الإقليمية التابعة للمملكة العربية السعودية" بالبحر الأحمر.

وجاء في بيان الحكومة المصرية أن مؤسس المملكة السعودية عبد العزيز آل سعود طلب من مصر بداية عام 1950 أن "تتولى توفير الحماية للجزيرتين، وهو ما استجابت له وقامت بتوفير الحماية للجزر منذ ذلك التاريخ".

ويرجع مراقبون وضع الجزيرتين تحت الحماية المصرية آنذاك إلى ضعف البحرية السعودية حينها عن الوفاء بمقتضيات أمن المنطقة في ظل تفجر الصراع العربي الإسرائيلي إثر أحداث النكبة وحرب 1948، لكن السعودية تقول إنها أرسلت عام 1957 إلى الأمم المتحدة ما يفيد بملكيتها الجزيرتين.

وفي 11 أبريل/نيسان 2016 كشفت وزارة الخارجية المصرية النقاب عن عدة وثائق تم الاستناد إليها خلال المفاوضات على عودة جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وتضمنت الوثائق -التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من مئة سنة- عددا من المخاطبات الرسمية المصرية والسعودية والأميركية حول موضوع ملكية الجزيرتين.

وفي 12 أبريل/نيسان 2016 كشفت صحيفة هآرتس أن مصر أبلغت إسرائيل مسبقا بقرارها نقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية، وأفادت الصحيفة بأن إسرائيل أبدت عدم معارضتها لهذه الخطوة ما دام أنها ستحافظ على حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية في المنطقة، وتلتزم باتفاقية كامب ديفد 1979. كما قالت إن مصر أكدت لإسرائيل وأميركا التزامها بتعهداتها الواردة في تلك الاتفاقية.

متاهة القضاء
أثار إقرار القاهرة ملكية السعودية للجزيرتين جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية المصرية، خاصة بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا أن حكومتهم "تخلت" أو "باعت" جزءا من "التراب المصري" مقابل استمرار تقديم المساعدات السعودية.

وتداول المدونون صفحة من كتاب "الدراسات الاجتماعية" للصف السادس الابتدائي في نظام التعليم المصري تنص على "مصرية" الجزيرتين بالاسم، كما رُفعت دعاوى قضائية عديدة أمام عدة جهات في القضاء المصري ضد الاتفاقية لإبطال ما أقدمت عليه الحكومة.

وفي 21 يونيو/حزيران 2016 قررت محكمة القضاء الإداري -في حكم غير نهائي- بطلان توقيع الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين المتضمنة التنازل عن الجزيرتين للسعودية، مع ما ترتب على ذلك من آثار أخصها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن حدود الدولة المصرية، واستمرار السيادة المصرية عليهما وحظر تغيير وضعها بأي شكل لصالح أي دولة.

لكن محكمة الأمور المستعجلة قضت في سبتمبر/أيلول التالي بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية، كما أن هيئة قضايا الدولة قدمت طعنا في حكم محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية العليا.

وقالت الهيئة إنها قدمت مع طعنها "جميع الخرائط والمستندات التي تثبت موقف الجزيرتين وتبعيتهما للسعودية"، وإن مصر "كانت تضع يدها على الجزيرتين على سبيل الأمانة".

وفي السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أودعت دائرة الحقوق والحريات بمحكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة حيثيات حكمها برفض الاستشكال المقدم من "هيئة قضايا الدولة" على الحكم الصادر من الدائرة الأولى في المحكمة، والقاضي ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية المتضمنة التنازل عن الجزيرتين للسعودية.

كما قضت المحكمة بعدم قبول الاستشكال بالنسبة لرئيس مجلس النواب لرفعه من غير صفة، وبإلزام رئيس الجمهورية والحكومة بالاستمرار في تنفيذ الحكم، وذكرت في أسباب رفض استشكال الحكومة أن الحكم المستشكل فيه "جاء وفقا لصحيح القانون، ونزولا على أنه من المسلم به أن كلا من جزيرة تيران وجزيرة صنافير أرض مصرية من ضمن الإقليم البري لمصر…، وتبعا لذلك يُحظر -التزاما بحكم (…) الدستور الحالي- التنازل عنهما".

ويقول المشتكون قضائيا ضد الحكومة بشأن الاتفاقية (هيئة الدفاع عن تيران وصنافير التي تضم محامين وباحثين) إن السلطات التنفيذية لا تقدم للقضاء إلا مستندات تدعم وجهة نظرها في "سعودية الجزيرتين"، ويتهمونها "بحجب العديد من المستندات التاريخية والخرائط القديمة التي تثبت مصريتهما، وجميعها مودع بدار الوثائق والمحفوظات القومية" المصرية.

ومن أبرز المستندات التي يتمسك بها القائلون بمصرية الجزيرتين نص محضر جلسة للأمم المتحدة عقدت في 15 فبراير/شباط 1954 لمناقشة تبعية جزيرتي تيران وصنافير لمصر وحقها في التحكم في خليج العقبة.

فقد فند سفير مصر لدى الأمم المتحدة آنذاك الادعاءات الإسرائيلية بعدم ملكية مصر للجزيرتين، وأكد سيطرة مصر على الجزيرتين منذ عام 1841 مرورا باتفاقية سايكس بيكو ثم الحرب العالمية الثانية فحرب 1948، وانتهاء بلحظة انعقاد الجلسة 1954.

وفي 16 يناير/كانون الثاني 2017، رفض القضاء الإداري المصري طعن الحكومة بخصوص جزيرتي تيران وصنافير، وأكد أن الجزيرتين مصريتان، كما أصدر حكما نهائيا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.

وقال رئيس المحكمة القاضي أحمد الشاذلي بمنطوق حكمه إن "سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها"، موضحا أن هيئة المحكمة أجمعت على هذا الحكم.

وعقب النطق بالحكم، هلل المحامون والحاضرون بهتافات من بينها "الله أكبر، مصرية مصرية" في إشارة إلى الجزيرتين الواقعتين بمدخل خليج العقبة في البحر الأحمر.

وبعد حسم القضاء الملف لصالح مصرية الجزيرتين، نقل نظام السيسي الموضوع إلى البرلمان، وهو ما اعتبره خبراء قانونيون تعديا واضحا على سلطة القضاء، ورغبة عارمة للسيسي لإنهاء الملف لصالح السعودية بأي طريقة.

وفي فصل جديد من  هذه القضية أقرت اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب المصري في 13 يونيو/حزيران 2017 اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وأحالتها إلى الجلسة العامة للمجلس، وسط احتجاجات شعبية وسياسية واسعة النطاق رفضا للتنازل عن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

ووافق على القرار أغلب أعضاء اللجنة البرلمانية بواقع 35 نائبا، مقابل رفض ثمانية فقط. وتضم اللجنة 44 عضوا من أعضاء المجلس، حضر منهم 43 عضوا، وتغيب واحد بداعي المرض.

وقررت اللجنة، عقب التصويت، إحالة الاتفاقية للتصويت في جلسة برلمانية عامة، واضطر رئيس البرلمان علي عبد العال إلى إغلاق باب المناقشة في الموضوع بعد اتساع نطاق الاحتجاجات داخل اللجنة وهتاف عدد من النواب "مصرية مصرية".

وفي 14 يونيو/حزيران 2017، وافق  البرلمان المصري على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بأغلبية أعضائه.

ورغم أن الدائرة الأولى في محكمة القضاء الإداري بمصر قضت بعد أسبوع ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والمعروفة باتفاقية تيران وصنافير، صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 21 يونيو/حزيران 2017 على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، المعروفة باسم "تيران وصنافير"، حسب بيان للحكومة المصرية.

ووفق القانون المصري، تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ عقب تصديق الرئيس المصري عليها ونشرها في الجريدة الرسمية.

وفي 3 مارس/آذار 2018، أبطلت المحكمة الدستورية العليا في مصر أحكاما قضائية بعدم قانونية اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافيرإلى السعودية التي وقعت مع القاهرة اتفاقية بهذا الشأن في أبريل/نيسان 2016.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية