حسين عطا الله.. شهيد الموت الأسود بسجون الاحتلال

فلسطين- الضفة الغربية- نابلس- خلال تشييع الشهيد حسين عطا الله بنابلس بعد ظهر اليوم الثلاثاء- تصوير عاطف دغلس- الجزيرة نت
جانب من تشييع الشهيد حسين عطا الله في نابلس بعد ظهر اليوم الثلاثاء (الجزيرة)

عاطف دغلس-نابلس

هي المرة الأولى التي تلتئم فيها عائلة عطا الله بمدينة نابلس في الضفة الغربية لرؤية أسيرها حسين بعد 22 عاما من اعتقاله في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهي الأخيرة أيضا وقد غدا الأسير شهيدا في تلك السجون.

في المسجد الصلاحي الكبير شرقي المدينة كان لقاء العائلة بأسيرها الشهيد بحضور مئات الأهالي، الذين جاؤوا لرؤية أسيرهم الذي غاب عنهم قسرا قبل 22 عاما حين اعتقلته إسرائيل وزجَّت به في سجونها وتركته يواجه حكما بالسجن 35 عاما بتهمة قتل إسرائيليين.

تعود حكاية الألم للأسير عطا الله لثمانية أشهر حين احتدم الجدال بينه وبين سجانة إسرائيلية في سجن "إيشل" في فلسطين المحتلة لم تر فيه سجينا له حقوق، فقررت إدارة السجن عزله داخل معتقله، ليكون هذا العقاب "كلمة السر" التي كشفت إصابته بمرض السرطان.

استفحل المرض في الرئتين والعمود الفقري والكبد والبنكرياس والرأس، واستفحلت معه إجراءات الاحتلال وإمعانه في عقاب الأسير وحرمانه من زيارة عائلته.

اللقاء الوحيد لعائلة عطا الله مجتمعة بابنها الأسير منذ 22 عاما بعد أن غدا شهيدا(الجزيرة)
اللقاء الوحيد لعائلة عطا الله مجتمعة بابنها الأسير منذ 22 عاما بعد أن غدا شهيدا(الجزيرة)

بعد الموت وقبله
كان العقاب مضاعفا للأسير داخل سجنه ولذويه في الخارج أيضا، فقد نكل به الاحتلال بنقله بين سجون عدة خلال مدة مرضه، واقتصر العلاج على المسكنات فقط، وبحجة "الرفض الأمني" لم تزر العائلة أسيرها طوال ستة أشهر إلى أن بدأ الأسير يفقد وعيه داخل المعتقل "ولم يسمح إلا للبعض فقط بزيارته"، يقول نجله الأكبر شادي.

حتى هنا لم يكن الأسير لينعم بقليل من الحرية بينما يدخل عليه أعز الناس "زوجته وأبناؤه"، فقد كان فاقدا للوعي يقول نجله، ويضيف أنه كان "مقيدا بيديه ورجليه" على سرير المرض في مستشفى أساف هاروفيه الإسرائيلي و"لم يُقدم له العلاج المطلوب"، وبعد استشهاده أخفى الاحتلال النبأ عن ذويه لليلة كاملة.

بعد أن ساءت حالة الأسير داخل سجنه، تقدمت العائلة بخمسة طلبات عبر هيئة شؤون الأسرى واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسات حقوقية عدة "للإفراج المبكر" عنه، لكن طلباتها قوبلت بالرفض.
ولم يتوقف "إجرام" الاحتلال عند ذلك، بل رفض الإفراج عنه حتى بعد موته "لأن قضية ضده لا تزال عالقة بمحاكم الاحتلال وأخّروا إطلاق سراحه لثلاثة أيام"، يعلق نجله شادي.

في الساعة الثامنة من مساء أمس الاثنين تسلمت العائلة أسيرها شهيدا قرب حاجز إسرائيلي عند مدينة قلقيلية شمال الضفة، واستقبل الأبناء أباهم حملا على الأكتاف، وفي موكب جنائزي عسكري شُيِّع الشهيد اليوم الثلاثاء إلى مثواه الأخير في المقبرة الشرقية بعد الصلاة عليه في المسجد الصلاحي الكبير في المدينة.

شادي عطا الله: والدي كان فاقدا للوعي ورغم ذلك كان مقيد اليدين والرجلين(الجزيرة)
شادي عطا الله: والدي كان فاقدا للوعي ورغم ذلك كان مقيد اليدين والرجلين(الجزيرة)

قتل متعمد
ورغم غزارة الأمطار وشدة البرد والإضراب الشامل الذي يعمّ فلسطين رفضا للقرار الأميركي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، حمل المشيعون جثمان الشهيد على الأكتاف وجابوا شوارع المدينة وسط هتافات تمجيد للشهيد ونضاله ضد المحتل ودعوات للانتقام له.

وحيث ووري الشهيد الثرى، أطلقت كلمات الرثاء وبعث المتحدثون من فصائل العمل الوطني والرسمي رسائل للاحتلال تدعوه لإطلاق سراح الأسرى ووقف "جرائمه" ضدهم لا سيما الأسرى منهم "ليأتوا أحرارا قبل أن يأتوا شهداء بأكفان سودٍ" وفق وزير هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية عيسى قراقع.

لم يسم قراقع في حديثه للجزيرة نت ما حصل للشهيد عطا الله "إهمالا" بل كان "قتلا متعمدا" برفض تقديم العلاج اللازم ورفض الإفراج عنه "ليموت على الأقل بين ذويه"، وطالب بالإفراج عن الأسرى لا سيما المرضى الذين يقدرون بنحو 1800 أسير بينهم نحو ثلاثين يتربص بهم "الموت الأسود" الذي فتك بـ213 أسيرا منذ العام 1967.

لم يكشف قراقع سرا حين اتهم الاحتلال علنا بأنه أوجد السجون "لزرع الموت" بين الأسرى، حيث ازدادت أعداد الأسرى المصابين بمرض السرطان بين السجون ولم يقدم لهم العلاج اللازم ولم يفرج عنهم ليتلقوه بالخارج.

كل ذلك يجري أمام المجتمع الدولي الذي "لا يملك القدرة والإرادة" لفرض نفسه على إسرائيل وإلزامها باحترام حقوق الإنسان والشرائع الإنسانية والدولية يقول المسؤول الفلسطيني، ويشدد على أن الأسرى يدفعون "ثمنا كبيرا" لغياب الحماية الدولية لهم، لكن ذلك لن يمنع عائلة الشهيد من متابعة قضية ابنها أمام المحاكم الدولية.

المصدر : الجزيرة