خبز "الباغيت" يتطلع لقائمة تراث اليونسكو

خبز الباغيت الفرنسي التقليدي 3. باريس. الجزيرة نت.
خبز "الباغيت" تحول لأداة للمساواة والعدالة الاجتماعية بعد اندلاع الثورة الفرنسية عام 1793 (الجزيرة)
هشام أبو مريم-باريس

في الساعة الثانية عشرة ظهرا (وقت الذروة) بتوقيت باريس، تعمل خلية نحل من أحد عشر عاملا على تلبية طلبات عشرات الزبائن المصطفين في طابور طويل أمام مخبز "الفردوس" بالدائرة 14 وسط باريس من أجل اقتناء رغيف خبز فرنسي تقليدي أو وجبات خفيفة (سندويتشات) أو حلوى من مختلف الألوان والأشكال.

الزبائن متنوعون، فيهم الباريسيون والسياح من جنسيات مختلفة، انتهى بهم المطاف في مخبز الفردوس الذي يديره رضا خضر، الحائز على جائزة أفضل خباز عام 2013 وميدالية "الباغيت الذهبي" عام 2017، إذ باتت لمخبز رضا شهرة عالمية بعد إدراجه ضمن لائحة أفضل المخابز العالمية في الكتب السياحية الدولية.

خبز تقليدي
يبيع رضا خبزه للعامة من الناس، كما أنه يزود مائدة رئيس الجمهورية الفرنسية بهذا الخبز ثلاث مرات في اليوم منذ خمس سنوات. ويعتبر رضا أن هذا رقم قياسي لم يحظ به أحد قبله.

ويقول صاحب مخبز الفردوس للجزيرة نت إن الفضل في النجاح الذي حققه يعود لوالدته، التي كان يشاهدها -عندما كان طفلا صغيراـ وهي تحضر الخبز التونسي التقليدي.

ورغم أنه يملك مخبزا عصريا، فإنه حافظ على عادة والدته في تحضير الخبز بطريقة تقليدية، إذ يستخدم يديه فقط، وبعدها يتركه يختمر لمدة أربع وعشرين ساعة قبل طهوه في الفرن لمدة 22 دقيقة. وهذه هي الوصفة السحرية التي يقول رضا مازحا إنه لا يخشى الكشف عنها.

‪رضا خضر الحائز على جائزة أفضل خباز في فرنسا عام 2013 وجائزة الرغيف الذهبي لعام 2017‬ (الجزيرة)
‪رضا خضر الحائز على جائزة أفضل خباز في فرنسا عام 2013 وجائزة الرغيف الذهبي لعام 2017‬ (الجزيرة)

والمطلوب أن تتوفر في خبز "الباغيت" التقليدي معايير محددة، إذ يتراوح وزنه ما بين 250 و300 غرام، وطوله ما بين 55 و65 سنتيمترا، وعرضه بين 4 و7 سنتيمترات.

ويرى الخباز التونسي الذائع الصيت أن الفرنسيين حافظوا على الطريقة التقليدية في صنع "الباغيت"، جيلا بعد جيل منذ قرنين، باستعمال مواد طبيعية تتمثل في الطحين والماء والخميرة فقط. غير أن العولمة بقدر ما ساهمت في انتشار الخبز الفرنسي في مختلف دول العالم، ساهمت أيضا في انتشار أنواع من الخبز الصناعي الذي لا يراعي معايير الجودة والطريقة التقليدية لتحضيره، حسب تعبير رضا.

ودفع الخبز الصناعي عددا من كبار الخبازين في فرنسا إلى دق ناقوس الخطر بدعوة الحكومة الفرنسية إلى حماية هذا الموروث الثقافي عبر إدراج خبز "الباغيت" ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).

وقد لاقت هذه الدعوة استجابة سريعة من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ استقبل الأسبوع الماضي 130 خبازا فرنسيا بينهم رضا خضر في قصر الإليزيه، وأعلن تبنيه ومساندته لفكرتهم، ودعا بشكل رسمي إلى ضم خبز الباغيت الفرنسي ضمن "قائمة التراث العالمي غير المادي" التي تشرف عليه منظمة اليونسكو.

رمز المساواة
وتعود قصة الخبز الفرنسي -الذي يستهلك الفرنسيون نحو 30 مليون قطعة منه يوميا- للقرن الثامن عشر حيث كان يصنع وقتئذ بشكل دائري، وكان يشكل غذاء أساسيا لنحو 90% من السكان فرنسا. أما "الباغيت" فكان من حظ الطبقة الأرستقراطية فقط.

ويحكى أن أصل شكل خبز الباغيت الحالي (الطويل اللولبي) يرجع إلى إمبراطور فرنسا نابوليون بونبارت، الذي طلب من الخبازين تغيير شكل الخبز ليسهل على جنوده حمله في جيوبهم إبان الحملات العسكرية الفرنسية.

‪رضا خضر خباز قصر الإليزيه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى استقباله للجنة الفرنسية لكبار الخبازين‬ (الجزيرة)
‪رضا خضر خباز قصر الإليزيه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى استقباله للجنة الفرنسية لكبار الخبازين‬ (الجزيرة)

ويقول المؤرخ الفرنسي ستيفن كابلان صاحب كتاب "فرنسا وخبزها.. قصة عشق"، إن خبز "الباغيت" تحوّل إلى أداة للمساواة والعدالة الاجتماعية عقب اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789 بعدما سن قانون يعرف باسم "خبز المساواة".

وفرض القانون الجديد على الخبازين صنع خبز موحد شكلا ومذاقا لكل الفرنسيين من دون استثناء، كخطوة أولى نحو المساواة وكسر الطبقية السائدة وقتئذ في المجتمع الفرنسي.

موروث إنساني
ويوضح رضا خضر أن الهدف الأساسي من الدعوة لإدراج خبز "الباغيت" ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو هو الحفاظ على حرفة صنع "الباغيت" الفرنسي لأنها موروث ثقافي إنساني عالمي وليس فرنسيا فقط، يستوجب تضافر الجهود للحفاظ عليه بتشجيع الأجيال الصاعدة على تعلم صناعته وفق الطريقة التقليدية، التي دأب عليها الفرنسيون القدماء.

وتسعى منظمة اليونسكو للحفاظ على ثقافة وتقاليد مختلف الشعوب من الاندثار بسبب زحف العولمة. وتلتئم "لجنة الدفاع عن التراث الثقافي غير المادي" للمنظمة الأممية مرة في السنة لتقييم الترشيحات التي تستقبلها من كل دول العالم.

وتأمل فرنسا في إقناع لجنة اليونسكو بإدراج الباغيت الفرنسي ضمن التراث العالمي بعدما نجحت من قبل في إضافة كل من "فن الطبخ" و"صناعة الخزف" الفرنسيين ضمن هذه اللائحة.

المصدر : الجزيرة