هل يباعد التأثير الخارجي بين مسلمي ألمانيا وأحزابها؟

مسلمو ألمانيا البالغين نحو خمسة ملايين نسمة لهم 1.5 مليون صوت أنتخابي من بين 61 مليون ناخب ألماني. الجزيرة نت.jpg
1.5 مليون مسلم لهم حق التصويت في الانتخابات الألمانية (الجزيرة)
خالد شمت-برلين

شكّل إعلان المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أن الأحزاب السياسية نأت بنفسها في حملتها الانتخابية الحالية عن المنظمات الإسلامية؛ إضافة جديدة للتغطية الإعلامية حول تأثير مسلمي ألمانيا في الانتخابات البرلمانية (بوندستاغ) الأحد المقبل.

وقال المجلس في دليل انتخابي إرشادي بعنوان "بوصلة" أصدره لمساعدة المقترعين المسلمين على تحديد خياراتهم الانتخابية، إن الأحزاب الألمانية اتخذت هذه الخطوة بدافع القلق من محاولات دول أجنبية اكتساب نفوذ سياسي في ألمانيا، عبر دعمها المالي لهذه المنظمات أو إرسال أئمة لمساجدها.

وتملك الأقلية المسلمة في ألمانيا -المقدرة بنحو خمسة ملايين نسمة- نحو 1.5 مليون صوت من بين 61 مليون ناخب ألماني. وتضمن دليل "البوصلة" الإرشادي للناخبين المسلمين في انتخابات البرلمان الألماني، إجابات الأحزاب السياسية الرئيسية على ثلاثين سؤالا يتعلق بقضايا لمسلمي البلاد.

وذكر الدليل أن الحزب الديمقراطي الحر -المرشح بقوة للعودة إلى البوندستاغ الجديد وللمشاركة في الحكومة الألمانية المقبلة- عبّر عن رفضه لتأثير الدول الأجنبية -خاصة تركيا والسعودية- على المنظمات الإسلامية بألمانيا، مشيرا إلى أن حزب الخضر اعتبر أنه من غير المقبول توجيه دول خارجية لمنظمات إسلامية لاستغلالها في الحصول على تأثير سياسي.

‪ريم شبيلهاوس: حملة الانتخابات هيمن عليها معارضو الهجرة والتعدد الديني‬  (الجزيرة)
‪ريم شبيلهاوس: حملة الانتخابات هيمن عليها معارضو الهجرة والتعدد الديني‬  (الجزيرة)

تركيا والسعودية
أستاذة دراسات المجتمعات المسلمة بأوروبا في جامعة غوتنغن ريم شبيلهاوس قالت إنها لا تعرف مدى تجاهل الأحزاب الألمانية لمنظمات المسلمين، لكن هذه المنظمات لم يكن لها حضور في النقاشات الإعلامية حول الانتخابات، أو ضمن من يتم اختيارهم كممثلين انتخابيين للأحزاب.

ورأت شبيلهاوس في حديث للجزيرة نت أن الحملة الانتخابية الراهنة هيمن عليها بشكل عام أصحاب التوجهات المعارضة للتعدد الديني وللهجرة.

وأشارت إلى أن مرشحة الحزب المسيحي الديمقراطي لمنصب رئيس الحكومة المستشارة الحالية أنجيلا ميركل، ومنافسها مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتين شولتس، "لم يتحدثا خلال مناظرتهما الانتخابية بكلمة واحدة عن أصحاب المخاوف والمستهدفين من عنف اليمين، أو عن المفزوعين من تنامي الاستقطاب المجتمعي".

وبتعليقها على تبرير الأحزاب الألمانية النأي بنفسها عن المنظمات الإسلامية بالقلق من تأثير الخارج على هذه المنظمات، ذكرت الباحثة أن السياسة الألمانية نظرت على مدى سنوات طويلة بإيجابية إلى منظمات تمول وتوجه جزئيا من الخارج، قبل أن تتحول نظرتها إليها حاليا إلى الشكوك.

واعتبرت شبيلهاوس أن سياسة ألمانية ذكية وطويلة المدى تجاه الإسلام في البلاد كانت تستوجب الاعتراف بمبادرات المسلمين المستقلة فكريا وتمويليا، ودمجها بالخطط الحكومية كمؤتمر الإسلام، ودعم هذه المبادرات إن أمكن ضمن الإطارات القانونية. وخلصت إلى أن الشكوك الألمانية أكثر حدة تجاه التمويل السعودي لأي منظمة إسلامية.

‪أيمن مزايك ربط الحديث عن التأثيرات الخارجية بأجواء الحملة الانتخابية واحتدام الجدل حول العلاقة مع تركيا‬ (الجزيرة)
‪أيمن مزايك ربط الحديث عن التأثيرات الخارجية بأجواء الحملة الانتخابية واحتدام الجدل حول العلاقة مع تركيا‬ (الجزيرة)

أتراك ألمانيا
وفي اتجاه مخالف لهذا الرأي، قال ميشيل كيفر الباحث بمعهد الدراسات الإسلامية في جامعة أوسنابروك إن ألمانيا قلقة تجاه تأثيرات السعودية وتركيا على المسلمين فيها، مشيرا إلى أن هذا القلق يأخذ طابعا أكثر حدة تجاه تأثير تركيا بسبب وجود أعداد كبيرة من الأتراك في ألمانيا.

ورأى الباحث الألماني أن وجود تأثير لسفارة تركيا وقنصلياتها على منظمة "ديتيب" -أكبر منظمة إسلامية بألمانيا- وإجراء النيابة الألمانية تحقيقات حول تجسس أئمة وأعضاء بالمنظمة على معارضين أتراك، يمثل مشكلة لهذه المنظمة، وواقعا لا يمكن للمجتمع والدولة الألمانيان قبوله.

من جانبه، قال رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أيمن مزايك إن موضوع القلق من التأثيرات الخارجية على المنظمات الإسلامية، أمر ثانوي يتجاوز القضايا المهمة لمسلمي ألمانيا كالمساواة بالحقوق والاعتراف الرسمي بمنظمات المسلمين كهيئات دينية تمثلهم أمام السلطات.

واعتبر مزايك في حديث للجزيرة نت أن مسلمي ألمانيا حققوا في هذا المجال إنجازات ملموسة على مستوى الولايات من خلال الاتفاقيات التي وقعت مع الدولة. وربط الحديث عن التأثيرات الخارجية بأجواء الحملة الانتخابية الحالية، واحتدام الجدل حول العلاقة مع تركيا، وما يقوم به حزب بديل لألمانيا الذي لا يرى في المسلمين مواطنين متساوي الحقوق مع غيرهم رغم أن الدستور الألماني يعتبرهم كذلك.

ويتفق رئيس المجلس الأعلى للمسلمين مع الباحثة شبيلهاوس على أهمية مواجهة المنظمات الإسلامية للشكوك الموجودة تجاه استقلاليتها، بتطوير بنيتها وآليات عملها بشكل أكثر شفافية.

وفي نفس الاتجاه لفت الباحث ميشيل كيفر إلى أن مسلمي ألمانيا يفعلون الكثير للتغلب على هذه المخاوف عبر انتساب كثير منهم للأحزاب السياسية والمشاركة بفعالية في أنشطتها وحملاتها الانتخابية الحالية.

المصدر : الجزيرة