انقسام بالجزائر بسبب المطالبة بقانون ضد التكفير

الروائي رشيد بوجدرة.
الروائي رشيد بوجدرة (وسط) أثناء وقفة احتجاجية تنديدا بما تعرض له خلال برنامج تلفزيوني (الجزيرة نت)

عبد الحميد بن محمد-الجزائر

دعا مثقفون جزائريون -بينهم الروائي أمين الزاوي- إلى وضع قانون يحارب ظاهرة التكفير، ويضع حدا لما يرونه اعتداءً على الحريات الشخصية والقناعات الفكرية للأفراد.

وجاءت الدعوة عقب وقوع الروائي الجزائري رشيد بوجدرة في أحد مقالب الكاميرا الخفية بداية شهر رمضان، حيث ظهر أمام رجلين من الشرطة وهما يطلبان منه التشهد والاعتراف بأنه مسلم، وغير ملحد مثلما يشاع عنه.

وقد خلف المقلب استياء في الأوساط الثقافية بالجزائر التي نظمت وقفة احتجاجية أمام سلطة ضبط قطاع السمعي والبصري، مما اضطر القناة التلفزيونية للاعتذار من الروائي، وتوقيف برنامج الكاميرا الخفية.

وإذا كان دعاة سن قانون يجرم تكفير الآخر باسم الدين يعتقدون أن على السلطات أولا أن تطبق المبدأ الدستوري الذي يفرض احترام حرية المعتقد، فإن هناك من يرى أن ظاهرة التكفير هي أصلا غير موجودة في المجتمع الجزائري، وأن الأولى هو المطالبة بقانون يعاقب من يعتدي على قيم الجزائريين.

‪غشير قال إن بعض الناس لا يتحركون إلا عندما يقع المساس بأشخاص قريبين منهم أيدولوجيا (الجزيرة نت)‬ غشير قال إن بعض الناس لا يتحركون إلا عندما يقع المساس بأشخاص قريبين منهم أيدولوجيا (الجزيرة نت)
‪غشير قال إن بعض الناس لا يتحركون إلا عندما يقع المساس بأشخاص قريبين منهم أيدولوجيا (الجزيرة نت)‬ غشير قال إن بعض الناس لا يتحركون إلا عندما يقع المساس بأشخاص قريبين منهم أيدولوجيا (الجزيرة نت)

استعادة الوعي
ويكشف الحقوقي المستقل بوجمعة غشير للجزيرة نت أن الفكرة طرحت قبل أشهرعديدة، "لكن للأسف، في الجزائر لا نتحرك إلا عندما يُمَس شخص قريب منا أيدولوجيا".

ويشير غشير إلى تصريحات أطلقها الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الحاكم عمار سعداني   ضد الأمينة العامة لحزب العمال (التروتسكي) لويزة حنون، حيث قال يومها إنه سيستقيل من منصبه إذا قالت "بسم الله الرحمن الرحيم".

واعتبر أن هذا الكلام يعد تكفيرا بشكل غير مباشر لهذه المرأة، وقال إنهم طالبوا بتجريم هذه الأفعال، ولكن لم يكن هناك صدى. ويرى غشير في ارتفاع الأصوات مجددا للمطالبة بوضع قانون يحارب التكفير استعادة للوعي.

ولا يبدو المتحدث متفائلا بسن قانون في هذا الاتجاه بسبب ما يصفها برود فعل رافضة من أحزاب التيار الإسلامي، وحتى من طرف "التيار الديني" داخل أحزاب الموالاة.

من جهته يرى مدير ملتقى الأنوار للفكر الحر الباحث سعيد جاب الخير أنه ينبغي قبل المطالبة بقانون يُجرم الدعوة للتكفير؛ إلغاء القانون 144 مكرر2 الذي ينص على معاقبة "من استهزأ بالمعلوم من الدين بالضرورة أو بأية شعيرة من شعائر الإسلام".

حرية المعتقد
وقال جاب الخير للجزيرة نت إن هذا القانون يناقض الدستور الذي ينص على أن حرية الدين والمعتقد مكفولة لجميع المواطنين، وأنها جزء من الحرية الشخصية. ويرى أن هذا القانون "الجائر" يُفسر في سلك القضاء حسب الطلب، "مثلما أصبح يُتخذ ذريعة لقمع الحرية الشخصية".

ويشير إلى سجن العديد من الناشطين لمجرد أنهم عبروا عن آراء مخالفة للإسلام "في صيغته الرسمية"،  لكنها غير ساخرة ولا مستهزئة به، كما قال.

بدوره قال الكاتب والإعلامي ناصر باكرية للجزيرة نت إن السلطة السياسية تستثمر في الخطاب الديني "عبر تدجين الشعوب بتوجيهها ضمن أنساق دينية مغلقة يسهل التحكم فيها". ورغم دعمه لمطلب سن قانون يحد من ظاهرة التكفير، فإنه يشكك في نجاعته ضمن "أنظمة شمولية" لا يمكنها ضمان تطبيقها.

‪باكرية شكك في نجاعة قانون التكفير ضمن ما وصفها بأنظمة شمولية‬ (الجزيرة نت)
‪باكرية شكك في نجاعة قانون التكفير ضمن ما وصفها بأنظمة شمولية‬ (الجزيرة نت)

حالات شاذة
ويقول باكرية إن حرية التكفير والتعبير تكاد تكون مضمونة في أغلب الدساتير العربية نظريا، لكنها في الواقع صورة أخرى لتكميم الأفواه حين يتعلق الأمر بالاقتراب من السلطة أو ملامسة المشاكل الحقيقية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات.

في المقابل ينفي أستاذ الشريعة بجامعة الجزائر محمد الأمين مقراوي وجود ظاهرة التكفير في المجتمع الجزائري، وقال إنها "إن وجدت فهي حالات شاذة". وقال للجزيرة نت إن ما يوجد في المجتمع هو ظاهرة انفصام المثقفين عن الواقع الحياتي للناس.

ويرى مقراوي أن من ينادي بهذا هي تلك الفئة التي تدعي الحداثة "لكنها تتنكر لهوية الشعب الجزائري الذي يرفض المساس بمقدساته وإهانة الذات الإلهية"، معتقدا أن هذا التيار لا يُسمع له صوت في قضايا الحقوق والحريات، ومضيفا أن الأوْلى المطالبة بقانون يجرم شتم المجتمع وتخوينه وتكفيره سياسيا من طرف الطبقة السياسية.

المصدر : الجزيرة