اعتقال الأفراح المبتسرة للسجناء السياسيين بمصر

رفقاء الزنزانة صنعوا لرفيق زنزانتهم لوحة بسيطة احتفالا بزواجه. (الصور من الصفحة الشخصية لصفا محمد زوجة المعتقل عبدالرحمن)
رفقاء الزنزانة صنعوا لرفيقهم لوحة بسيطة احتفالا بزواجه (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

رسمة قلب بأصابع اليدين، وزغرودة مبهجة، والتلويح بطفل مولود حديثا، وإشارة إلى أسنان طفلة أكملت عمر نبت الأسنان؛ هي كل عدة الأهل قليلي الحيلة، أثناء المحاكمات أو في الزيارات، لإلقاء بهجة عابرة في قلوب ذويهم السجناء السياسيين، الذين لم يفقدوا الأمل في خروج قريب، أو نجاة من الإعدام.

في المحكمة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة (جنوب القاهرة) لمحاكمة المتهمين باغتيال النائب العام، تلألأت عينا المتهم إسلام أبو النيل فرحا برؤية فتاته العشرينية شيماء حسين، وهي تقف بجوار أهله، وتخرج دبلة ذهبية وتضعها في إصبعها علامة على الارتباط به، وسط انفجار الفرح الغامر بزغاريد أهل الخطيبين.

لم تكن الواقعة الأولى التي تشهد فيها قاعات المحاكم أفراحا معلقة، غير أن هناك مَن استكثر حتى تلك الفرحة المبتسرة.

فلم يفوت الإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى هذه المناسبة تمر دون تعليق، وأكد أن ما جرى يناقض مقتضيات العدل، وكان ينقص المشهد استقدام راقصة وطبال، على حد قوله في برنامجه اليومي، منتقدا استسهال أمن القاعة مع فرحة المتهمين وأهليهم، مطالباً "بردع كل من يكرر مثل هذه الفعلة".

‪أمنية مجدي تظاهرت بفستان زفافها احتجاجا على اعتقال زوجها‬ (الجزيرة)
‪أمنية مجدي تظاهرت بفستان زفافها احتجاجا على اعتقال زوجها‬ (الجزيرة)

وسرعان ما أصدرت قيادات وزارة الداخلية قرارا بالتحقيق مع قوة الخدمات الأمنية التي كانت موجودة بالمحكمة.

مولود جديد
واحتفلت أمل زوجة المصور الصحفي حمدي الزعيم بابنهما مالك المولود حديثا، وذلك أثناء إحدى الجلسات التي انعقدت لمحاكمة الزعيم.

وقالت أمل للجزيرة نت "مع تلك الفرحة التي تهلل بها وجه زوجي، إلا أنه لا يزال حبيسا لا يستطيع احتضان ابنه الوليد رغم تبرئته".

وتأمل أمنية مجدي زوجة المصور الصحفي السجين عمر عبد المقصود أن ترى زوجها حرا بعد أيام، حيث انقضت سنوات الحبس الثلاثة.

أمنية التي ارتدت فستان زفافها وتظاهرت به على سلم نقابة الصحفيين، وزارت زوجها به في محبسه، قالت على صفحتها الشخصية بفيسبوك "قضى عمر مجموع الأحكام التي كانت عليه، ومن المفترض بحسبة بسيطة أن يفرج عنه يوم 24 من الشهر الحالي".

وظلت صفا محمد الفتاة العشرينية مخطوبة لعبد الرحمن ما يقارب العام حتى اعتقل خطيبها، ولحق به أبوها بالسجن نفسه، الذي كانت أوقاته الطويلة فرصة للخطيب بإقناع الأب بضرورة إتمام الزواج من داخل المعتقل، حتى يتمكن من رؤية خطيبته، اتباعا للوائح السجن التي تقصر الزيارة على أقارب الدرجة الأولى.

‪أسامة ناصف: أفراح أهالي السجناء بالمحاكم والسجون رسالة ثقة ببراءتهم‬ (الجزيرة)
‪أسامة ناصف: أفراح أهالي السجناء بالمحاكم والسجون رسالة ثقة ببراءتهم‬ (الجزيرة)

عقد القران
وذكرت صفاء للجزيرة نت إنه بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات بين الأسرتين ومصلحة السجون، وافقوا على إتمام عقد القران بالسجن، فاصطحب أفراد من أسرتي العروسين المأذون والشهود للسجن، وفي مكتب تابع لإدارة السجن جلس المأذون والعروسان وأفراد من الأسرتين لإتمام عقد القرن، وأعين الجنود كالطلقات مصوبة لرؤوس الجالسين.

دقائق معدودات كانت حصيلة لقاء الزوجين، بعدها كان وداع الأب والزوج نحو الزنزانة، ثم جاء موعد الزيارة الطبيعي بعدها بأيام، وحملت العروس وأسرتا الزوجين مشروبات وحلوى وبعض الزينة، التي تم تعليقها في قاعة الزيارة، وأنشد رفقاء السجن للعريس وحماه.

كانت تلك آخر الأفراح التي جرت بهذا السجن، بعدها جرى رفض كل طلبات السجناء وذويهم لعقود القران.

ورأى الحقوقي أسامة ناصف أن بهجة السجناء بمناسباتهم الإنسانية واحتفالات ذويهم البسيطة المبتسرة رسالة قوية بأن السجن القائم على التلفيق والاعتقال القائم على الخصومة السياسية هو أمر والعدم سواء، ولا يمنع المعتقلين من استمرار حياتهم والتمسك بها والتخطيط لها، وتأكيد يقينهم بأن الوضع الحالي إلى زوال.

وأضاف أن ذلك يدفع شبابا حُكم عليهم بالمؤبد إلى الزواج، متجاهلين مصيرهم المعلق بيد السجان، والمدهش هو موقف فتاة يقبل أهلها ارتباط ابنتهم بمحكوم عليه.

وتابع ناصف في حديثه للجزيرة نت أن اليقين بلغ بإحدى السيدات أنها اشترطت في عريس ابنتها أن يكون معتقلا، كما خطبت لابنها المعتقل، نافيا أن يكون هناك قانون يمنع البهجة من أن تنبت على وجوه السجناء وذويهم.

المصدر : الجزيرة