تعديل الدستور الموريتاني وصراع "الشيوخ" من أجل البقاء

دستور موريتانيا.. تعديلات تثير الجدل بين الأغلبية والمعارضة
تصويت أغلبية من مجلس الشيوخ ضد التعديلات لم تكن تحلم به أكثر أحزاب المعارضة تفاؤلا (الجزيرة)

أحمد سالم البخاري

أثار إسقاط أغلبية من أعضاء مجلس الشيوخ الموريتاني ينتمون للحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية" للتعديلات الدستورية جملة من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التصويت ونتيجته غير المسبوقة في تاريخ الانضباط الحزبي والسياسي في بلد ظلت الأحزاب الحاكمة فيه مهيمنة بشكل كبير على المؤسسات والحياة السياسية.

ويعد إلغاء مجلس الشيوخ نفسه -الغرفة العليا من البرلمان- من أبرز تلك التعديلات، التي تضمنت أيضا إنشاء مجالس جهوية تعنى بتنمية الأقاليم، ونقل بعض صلاحيات العمل والمشاريع الحكومية إليها، وتقريب الخدمة العمومية من المواطن، وتعديل العلم والنشيد الوطنيين، وإلغاء محكمة العدل السامية.

واختلفت الرؤى والتفسيرات لما جرى، لكنها اتفقت على أن ما حصل داخل مجلس الشيوخ كان مفاجئا لكل التوقعات ومنذرا بوجود أزمة داخل الأغلبية الحاكمة، خاصة وأن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قرر تجاوز قرار الشيوخ باللجوء إلى الشعب مستندا بذلك إلى المادة 38 من الدستور.

سيداتي: الشيوخ أرادوا أن يثبتوا أن لهم دورا وفاعلية حتى لو كان ذلك في آخر فترتهم (الجزيرة نت-أرشيف)
سيداتي: الشيوخ أرادوا أن يثبتوا أن لهم دورا وفاعلية حتى لو كان ذلك في آخر فترتهم (الجزيرة نت-أرشيف)

وفي هذا الصدد يرى الصحفي والمحلل السياسي الدكتور الهيبه ولد الشيخ سيداتي مدير "وكالة الأخبار" المستقلة أن رفض شيوخ الأغلبية يضاف إلى رفض المعارضة التي كانت ضد الحوار.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن التصويت يخفي أزمة داخل الأغلبية مردها إعلان الرئيس عدم ترشحه لفترة رئاسية في 2019، فبدؤوا يبحثون عن مكانة لهم في العهد القادم، معتبرا أن ما حصل يمثل بحثا عن الذات في مستقبل الأنظمة أكثر منه رفضا للتعديلات بشكلها ومضامينها.

وأشار إلى أن مجلس الشيوخ واجه ضغطا إعلاميا وسياسيا منذ إعلان الرئيس الموريتاني نيته التقدم بمقترحات دستورية لإلغاء الغرفة العليا، تمثل بانتقاد الشيوخ وأدائهم وعدم فاعليتهم، فأرادوا -وفقا لسيداتي- أن يثبتوا أن لهم دورا وفاعلية حتى لو كان ذلك في آخر فترتهم.

وأضاف أن النظرة إلى الشيوخ إذا أقروا التعديلات بحل الغرفة العليا بأنهم "المجلس الذي قضى على نفسه" أمر غير مستساغ من الناحية السياسية وساهمت بالفعل في الوصول إلى نتيجة التصويت، التي كانت مفاجئة حتى للمعارضة نفسها.

 فال: ما جرى كان جزءا من تحريك الساحة من بعض الأطراف السياسية للتأثير في انتخابات 2019 (الجزيرة نت-أرشيف)
 فال: ما جرى كان جزءا من تحريك الساحة من بعض الأطراف السياسية للتأثير في انتخابات 2019 (الجزيرة نت-أرشيف)

من جهته، يقول رئيس المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية (مبدأ) الدكتور محمد ولد سيد أحمد فال، إن الاعتراض لم يكن على سياسات حكومية وإنما على مقترحات تخص التعديلات الدستورية، مؤكدا أن ما حصل من تصويت مفاجئ للشيوخ ضد التعديلات يرتبط بعوامل عدة.

وأضاف في تصريح للجزيرة نت أن شيوخ الأغلبية مارسوا حرية شخصية ومانعوا من خلال تصويتهم لكنهم لم يعلنوا الخروج من الحزب أو من الأغلبية.

واعتبر أن الموضوع هو سلسلة إشكالات، لأن مجلس الشيوخ كغرفة عمرها الزمني أكبر من عمر النظام الحاكم ووجدت قبل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، لا أحد يملك صلاحية حلها مثل الجمعية الوطنية التي يملك الرئيس صلاحية حلها.

وأضاف أن ما وقع هو جزء من تجذر غياب الثقافة السياسية في اللاوعي الجمعي الموريتاني عموما، كما أنه جزء من محاولة تحريك الساحة من بعض الأطراف السياسية للتأثير في الانتخابات الرئاسية في 2019.

وذكر أحمد فال أن الشيوخ "المغاضبين" الذين فجروا أزمة مع الحزب الحاكم ردا على حملة سابقة وصفت الشيوخ بأنهم "لا يقومون بأي دور تشريعي يذكر"، هم أنفسهم من صوتوا ضد خيارات الحزب والحكومة.

وعبر عن اعتقاده بأن إعادة ترتيب البيت الداخلي للأغلبية هو أولوية في المرحلة القادمة، لأن من صوتوا من الأغلبية لإسقاط التعديلات ما زالوا عمليا من الأغلبية رغم أن ما قاموا به هو عدم انضباط حزبي.

المصدر : الجزيرة