الحرف التقليدية بالصومال.. شبح الاندثار وخطوات الإنقاذ
قاسم أحمد سهل-مقديشو
لم تخف حواء في حديث للجزيرة نت حنينها إلى عودة قوية لممارسة الحرف التقليدية للمرأة الصومالية؛ الضاربة في القدم والموروثة من جيل إلى جيل، حيث تمثل في نظرها إرثا حضاريا يبعث على الفخر وتراثا شعبيا يميز الأمة الصومالية عن باقي الأمم، مما يفرض القيام بجهود جبارة على المستويين الحكومي والشعبي لإنقاذ هذا التراث المهدد بالاندثار وعدم تركه عرضة للضياع.
طوق نجاة
ويعتبر مشروع تبنته إدارة مقديشو في هذا الصدد بمثابة طوق نجاة للحرف التقليدية للنساء، ويعطي جرعة معنوية للنساء الصوماليات المهتمات بهذا التراث، وحلا ولو مؤقتا لظاهرة العزوف التي لازمتهن فترة طويلة، ودافعا قويا لاستغلال الحيز الذي يوفر لهن المشروع لنقل مهاراتهن في حياكة وصنع الأعمال اليدوية إلى بناتهن، لتبقى الحرف التقليدية حية وباقية ومتوارثة لأطول فترة ممكنة.
زهرة علي ناصر تجيد صناعة القبعات التقليدية المطرزة، التي كانت مصدر دخل مهم لأسرتها منذ صغرها، وكانت تلقى رواجا كبيرا في الأوساط الشعبية وحضورا ملفتا في البيوت، لكن زهرة تعتبر أن هذه الحرفة على وشك الاختفاء من الساحة الصومالية، إذ بدأت ممارستها تنحصر في عدد قليل من النساء جراء تراجع الإقبال على المنتجات التقليدية، ووجود منتجات منافسة أجنبية أقل سعرا.
عقبات
وتعتقد زهرة بأن محاولة إعادة الحرف اليدوية للمرأة الصومالية إلى سكتها أمرا في غاية الأهمية، لكنهت قد تتعثر ما لم تذلل العقبات التي تعترضها، ولخصتها في حديث للجزيرة نت في نقص التمويل الكافي، وعدم وجود المدارس الفنية للنساء المفترض أن تتحمل مسؤولية نقل مهارات الحرف التقليدية إلى أكبر عدد ممكن من النساء، إضافة إلى وجود مشكلة تسويقية للمنتجات التقليدية.
ورغم عدم وجود خطة فعلية للحد من المنتجات الخارجية المنافسة، ترى رئيسة اتحاد العاصمة للمرأة الصومالية جواهر بارقب المشرفة على مشروع إحياء الحرف التقليدية للنساء أن هذه العقبات لا تزول في ليلة وضحاها، بل بتدرج وعمل دؤوب، مشيرة إلى أن إدارة العاصمة مقديشو دشنت بتمويلها الخاص سبعة مراكز لبعث روح جديدة في الحرف التقليدية للنساء.
وأشارت جواهر إلى أنه سيتم تعميم هذه التجربة على باقي المناطق الصومالية في حال نجاحها، مؤكدة أن الدافع وراء تبني الإدارة هذا المشروع هو القلق الذي يساورها من تعرض جزء من تراث الأمة الصومالية للاندثار، وظهور تأثيرات سلبية لبعض المنتجات البديلة على الصحة والبيئة كالسلال التي استبدلت بالأكياس البلاستيكية في نقل الحاجيات، وتتسبب في موت الحيوانات والأشجار.
إفرازات الحرب
وبالإضافة إلى تشجيع المشروع المذكور للصوماليين على اهتمام واقتناء منتجات الحرف التقليدية للنساء من خلال معارض تقام باستمرار، فإنه يشكل أيضا مصدر ربح يساعد المرأة في إعالة أسرتها وفق تأكيد جواهر في حديث للجزيرة نت.
وتؤمن الأكاديمية الصومالية التي تعنى باللغة والتراث بأن المشكلة التي ألمت بالحرف التقليدية عموما بالصومال تأتي ضمن إفرازات الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عشرين سنة.
ويقول رئيس الأكاديمية عبد القادر نور ماح إن منتجات الحرف التقليدية التي تعتمد على المصادر الطبيعية باتت شبه معدومة في المناطق الريفية والحضرية، وتوجد على نطاق محدود في المعارض، مشيرا إلى أن معرفة وممارسة تلك الحرف حياكة ونسجا ونحتا وصناعة القوارب، وصياغة الذهب وغيرها أصبحت محصورة في أيدي كبار السن؛ الأمر الذي يدعو للقلق.
ويعتقد ماح بأنه يمكن القول في ظل هذه الوضعية إن الشعب الصومالي بدأ يفقد جزءا مهما من تراثه المعبر عن هويته، لكن الأكاديمية وضعت خططا بانتظار التمويل الحكومي لتدارك الوضع، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بإعادة تشغيل المتحف الوطني الغائب عن المشهد منذ 27 عاما، وإنشاء مراكز لتعليم الشبان بمهارات الحرف اليدوية التقليدية المختلفة.