لبنان.. هل تذمر تيار المستقبل من تصرفات السعودية؟
ليلى لعلالي
وضعت الأحداث لبنان في دوامة صعبة أعادته مجددا إلى مربع الخوف والقلق، على خلفية الغموض الذي ما زال يكتنف مصير سعد الحريري الذي قدم استقالته من رئأسة الحكومة اللبنانية من الرياض في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وهي المخاوف التي تتفاقم في ظل تكتم قوى دولية على الموضوع وتلويح أخرى بإحالة ملف الحريري إلى مجلس الأمن الدولي.
مختلف التيارات السياسية في لبنان وعلى اختلاف توجهاتها لم تستسغ الطريقة التي تتعاطى بها السعودية مع بلدهم، أولا لـ"إرغام" الحريري على تقديم استقالته من الرياض وليس من بيروت، وثانيا لعدم رفع اللبس عن مصير الرجل الذي تشير مختلف التقارير إلى أنه ربما يكون محتجزا أو تحت الإقامة الجبرية، رغم نفي السعودية لذلك.
"لا بديل عن الحريري"
وتوالت تصريحات المسؤولين اللبنانيين -في اليومين الأخرين- عن "الاحتجاز" و"الإقامة الجبرية"، وعن "ضرورة عودة الحريري" إلى البلاد، وأبدى تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري تذمره ضمنيا من الطريقة التي تتعامل بها المملكة مع لبنان، لأن التيار نفسه تم تهميشه في القضية، فهو لا يعرف لماذا استقال الحريري، وأين هو بالتحديد؟ وهو ما أشار إليه مصطفى علوش، النائب السابق وعضو تيار المستقبل، بقوله "ليست لدينا أي معلومات عنه أبدا، نريده فقط أن يعود".
وربما هي المرة الأولى التي يخرج فيها تيار الحريري عن طوع السعودية ويقول كلاما على غير هواها، فقد قال مسؤول سياسي بارز مقرب من الحريري نفسه -بحسب ما أوردت وكالة رويترز– إن المملكة أمرت الحريري بالاستقالة ووضعته قيد الإقامة الجبرية.
كما طالبت كتلة تيار المستقبل البرلمانية في وقت سابق بعودة زعيمها، لاستعادة الاعتبار للتوازن الداخلي والخارجي للبنان، وذلك "في إطار الاحترام الكامل للشرعية اللبنانية المتمثلة في الدستور واتفاق الطائف واحتراما للشرعيتين العربية والدولية".
التذمر داخل تيار المستقبل وداخل البيت اللبناني عموما تفاقم مع ورود معلومات عن طلب مسؤولين سعوديين من بهاء الحريري الترشح لرئاسة الحكومة اللبنانية مكان شقيقه، ما جعل وزير الداخلية نهاد المشنوق يصرح"أن اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر".
وتيار المستقبل أسسه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وبعد اغتياله عام 2005 تسلم قيادته نجله سعد الدين، وهو حليف قوي للسعودية.
ولم تقتصر التصريحات والمطالب بعودة الحريري على تيار المستقبل، بل شملت مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي تقول صحف لبنانية إنه رفض طلبا سعوديا برفع مستوى المواجهة مع حزب الله، من على منابر المساجد خلال صلاة الجمعة، واشترط لذلك عودة الحريري.
كما أن السياسي الدرزي البارز وليد جنبلاط تحدث صراحة في تغريدة له على موقع تويترعن الإقامة الجبرية، وقال "بعد أسبوع من إقامة جبرية كانت أو طوعية آن الأوان لعودة الشيخ سعد والاتفاق معه على استكمال مسيرة البناء والاستقرار. وبالمناسبة لا بديل عنه".
وسبق ذلك تصريح نُسب لمسؤولين كبار في الحكومة اللبنانية، يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني، يقول إن الرياض تحتجز الحريري، وأن السلطات السعودية أمرته بالاستقالة عندما كان في زيارة للرياض قبل أيام ووضعته رهن الإقامة الجبرية.
تلك التصريحات والمواقف توافقت مع ما أعلنه الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في أول تعليق على استقالة الحريري، في خطاب له في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، من "أنه لم يكن هناك سبب داخلي يدفع الحريري لتقديم استقالته، وأن الاستقالة أملتها السعودية".
غموض الحلفاء
وبينما يتمسك اللبنانيون بضرورة عودة رئيس حكومتهم إلى لبنان لتسيير شؤون دولتهم، خاصة وأن الرئيس ميشال عون لم يقبل الاسقالة بعد وينتظر عودته لاستيضاح الأسباب، يبدي حلفاء لبنان مواقف أكثر غموضا بشأن ما يحدث في البلاد، وهو ما يثير تساؤلات حول ما هو قادم.
ففرنسا -التي تمتلك نفوذا في لبنان- قام رئيسها يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بزيارة خاطفة ومفاجئة إلى الرياض والتقى بولي العهد محمد بن سلمان، لكن بيان الرئاسة الفرنسية لم يذكر شيئا بشأن ما إذا كان ماكرون تحدث مع الحريري أو التقى به.
واكتفى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بالقول يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 إن معلوماته تشير إلى أن رئيس الوزراء اللبناني المستقيل "حر في تنقلاته". مع العلم أن الرئيس ماكرون كان قد نفى معلومات تحدثت عن تقدم الحريري بطلب للذهاب إلى فرنسا.
ونفس الغموض احتفظ به الجانب الأميركي، حيث رفضت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناورت الرد على سؤال عما إذا كان الحريري محتجزا في السعودية. وكشفت عن لقاء جمع القائم بأعمال السفارة الأميركية في الرياض بالحريري، ورفضت الإفصاح عن مكان عقد الاجتماع، إلا أنها وصفت المحادثات بأنها "محادثات حساسة وخاصة ودبلوماسية".
وتهدد روسيا بإحالة ملف الحريري إلى مجلس الأمن الدولي، في حال استمر"الغموض" الطاغي على الاستقالة، وتعتبر أن موضوع عودة الحريري متعلّق بالحقوق السيادية للبنان، داعية إلى احترام هذه السيادة، كما جاء على لسان السفير الروسي بلبنان ألكسندر زاسبيكين في مقابلة مع قناة "أل بي سي" اللبنانية.
وفي ظل التطورات المتلاحقة يحبس اللبنانيون أنفاسهم في انتظار ما يخبئه لهم ولي العهد السعودي الشاب الذي يسعى، بحسب الكاتب روبرت فيسك في مقال له في صحيفة ذا إندبندنت، إلى تقويض الحكومة اللبنانية، وبدء حرب أهلية جديدة في لبنان. وبحسب الكاتب فإن هذا الأمر لن يفلح "لأن اللبنانيين رغم أنهم أقل ثراء من السعوديين إلا أنهم أكثر ذكاء".