مرضى الغوطة الشرقية محاصرون ومهددون بالموت

من عمل أحد المراكز الطبية في الغوطة الشرقية
من عمل أحد المراكز الطبية في الغوطة الشرقية (مواقع التواصل الاجتماعي)
 
يجلس أبو محمد كل مساء إلى جانب زوجته المريضة في غرفتهما المتواضعة ببلدة حمورية بغوطة دمشق الشرقية في سوريا، وهو يمسك بيدها المرتعشة محاولاً إقناعها بأن الغد سيكون أفضل دون شك.
فمنذ إصابة أم محمد (45 عاما) باضطرابات في القلب العام الفائت تدهور وضعها الصحي بسرعة نتيجة عدم توفّر الأدوية اللازمة لها في هذه المنطقة التي يحاصرها النظام السوري بشكل تام.

"الأطباء أبلغونا بضرورة خروج زوجتي للعلاج في دمشق على وجه السرعة"، يقول أبو محمد في حديثه للجزيرة نت، ويضيف "لم أترك بابا لمنظمة طبية أو إنسانية هنا في الغوطة دون أن أطرقه، الكل عاجز عن مساعدة زوجتي، فالأدوية غير متوفرة والخروج أشبه بمعجزة طال انتظارها ويمنع النظام السوري تحققها. لا نجاة لنا إلا بالدعاء".

حصار مطبق
يعيش في الغوطة الشرقية زهاء أربعمئة ألف نسمة، وفق أحدث تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، وتتدهور ظروفهم المعيشية والصحية نتيجة الحصار المطبق المفروض من قبل حواجز النظام المحيطة منذ العام 2013.

ورغم المناشدات المستمرة للعديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية لفك الحصار وفتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات وإخراج عشرات الحالات الصحية الحرجة والمهددة بالوفاة إلى دمشق، يستمر النظام في سياسة صم الآذان متحججا بوجود إرهابيين تتوجب محاربتهم، مما يعني قصفهم بشكل شبه يومي بمختلف أنواع الأسلحة وحصارهم، ومنع الغذاء والدواء عنهم وعن عائلاتهم.

وخلّف الحصار آفات وأمراضا بات علاجها داخل الغوطة الشرقية أشبه بالمستحيل في ظل الإمكانات المتوفرة، حيث تندر الأدوية خاصة النوعية منها، ويوجد طبيب واحد لكل 3600 شخص تبعا لإحصائيات المنظمات الطبية العاملة في المنطقة.

ويشير الطبيب محمد كتوب الذي يعمل مسؤول مناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، إلى أن عدد الحالات الحرجة التي تستوجب الإجلاء الفوري من الغوطة يفوق الثلاثمئة حالة، منها حوالي 80 طفلا، 35 منهم تحت سن الخامسة، ويزداد عدد هذه الحالات يوما بعد آخر نتيجة انهيار المخزون الطبي بوتيرة متسارعة.

الحالات الحرجة
وتقسم الحالات الحرجة، بحسب حديث كتوب للجزيرة نت، إلى قسمين رئيسيين، منها ما تستطيع مشافي الغوطة علاجه لكن شح الأدوية وعدم توفرها يمنع ذلك، ومنها ما يحتاج علاجات متقدمة ووسائل تشخيص غير متوفرة داخل الغوطة، إلا أنها لا تجد طريقها إلى دمشق للعلاج.

ويؤكد الناطق الإعلامي باسم المكتب الطبي الموحد بالغوطة الشرقية عمار الصيداوي المعطيات السابقة، ويقول في حديثه للجزيرة نت إن أهم الحالات الحرجة هي الأورام وقصور الكلية المزمن وأمراض المناعة المزمنة والأمراض القلبية المتطورة.

ويؤكد الصيداوي إمكانية تخفيض عدد الحالات الحرجة إلى ما دون المئة في حال إدخال المستلزمات الطبية الضرورية لعلاجها، حيث تعمل عشرات المشافي ومراكز الرعاية الصحية والمستوصفات على معالجة مئات المرضى بشكل يومي وبمختلف أنواع المعاينات والعمليات، "والتي خفت وتيرة بعضها في الآونة الأخيرة نتيجة نقص مواد التخدير والمواد الطبية الأخرى".

ومنذ فتح ملف الحالات الطبية الحرجة في الغوطة الشرقية بداية الصيف المنصرم، عملت جمعيات ومنظمات إنسانية طبية على رأسها جمعية "سامز" -التي تدير عشرين منشأة طبية في الغوطة- على الضغط على النظام لإخراج تلك الحالات إلى مشافي دمشق، وذلك عن طريق التواصل مع سفارات وبعثات الدول لدى الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

لكن تلك الجهود لم تفح إلا في إجلاء ستة مرضى، الأمر الذي يرى فيه الطبيب كتوب دليلاً على "عدم جدية النظام وكافة الأطراف والمنظمات الدولية في إنقاذ أرواح هؤلاء المرضى".

معايير للانتقاء
لا يعلم الطبيب المتحدث ما هي المعايير التي اختار النظام على أساسها إجلاء الحالات الست المذكورة، "تم إخراج حالتي اشتباه بالإصابة بشلل الأطفال، ولعل السبب هو الاهتمام العالمي بهذا المرض خاصة من منظمة الصحة العالمية".

بيد أن الحظ بالإجلاء لم يحالف سبع حالات أخرى كان نصيبها الوفاة في انتظار العلاج، ومنها الطفلة سارة ذات الأعوام التسعة والتي توفيت أواخر أغسطس/آب الماضي نتيجة ورم في عينها اليسرى، والطفل أسامة الطوخي الذي كان مصابا بالتهاب دماغي وتوفي أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.

المصدر : الجزيرة