رفض واسع لفرض خطبة الجمعة المكتوبة بمصر

صورة أرشيفية لاستماع المصلين لخطيب الجمعة بمسجد عمرو بن العاص الصورة خاصة للجزيرة نت وسبق نشرها بالموقع
خطبة الجمعة بمسجد عمرو بن العاص في مصر (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

لقي قرار وزارة الأوقاف المصرية إلزام خطبائها بصياغة موحدة لخطب الجمعة وتعميمها مكتوبة عليهم، استنكارا واستهجانا واسعين من قبل علماء ودعاة بعضهم محسوب على السلطات الحالية ومقرب منها.

وأعلنت الوزارة في بيان لها تشكيل لجنة علمية لإعداد وصياغة خطب الجمعة "بما يتوافق مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وإنسانية وحياتية وواقعية وتعميمها مكتوبة"، مبررة ذلك بأن بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر، إما بالإطالة أو الخروج عن الموضوع أو الدخول في أمور سياسية وحزبية.

وبمجرد صدور البيان تداعى الكثير من الخطباء إلى رفضه، حيث أطلق نشطاء منهم وسم (#لا_للخطبة_المكتوبة) بمواقع التواصل الاجتماعي، كما أعلنت رموز دعوية مؤيدة للنظام المصري وأخرى معارضة له استهجانها للقرار الذي تضمنه البيان.

فقد اعتبر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر عبد الحميد الأطرش أنه غير مدروس وعيب كبير في حق علماء الدين بمصر، كما رأى فيه أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وأحد أبرز علمائها المؤيدين للسلطات الحالية "إهانة لبلد الأزهر وبدعة مرذولة ستؤدي إلى قتل الابتكار ووأد الارتجال".

مقر وزارة الأوقاف بالقاهرة (الجزيرة)
مقر وزارة الأوقاف بالقاهرة (الجزيرة)

وفي السياق نفسه رفضت حركة "أبناء الأزهر الأحرار" في بيان لها القرار، معتبرة أنه مُضِر بالدعوة الإسلامية والخطابة الدينية والأئمة والدعاة، وسيؤدى إلى تجميد الخطاب الديني، كما أن فيه إهانة وتضيعًا لهيبة الخطيب ومحوًا لشخصيته وسط جمهوره.

أول الملتزمين
ودفع هذا الرفض الواسع وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة إلى الدعوة إلى اجتماع موسع لوكلاء وزارته على مستوى الجمهورية صباح اليوم الثلاثاء لشرح آليات تنفيذ القرار، مؤكدا في تصريحات صحفية أنه سيكون أول الملتزمين بالنص المكتوب لإرسال رسالة إيجابية بأن ذلك لا يعني نقصا في القدرات والإمكانيات.

ويرى محمد علي الطوخي -وهو إمام بالأوقاف- أن القرار يدفع إلى مزيد من إحكام السيطرة على المساجد وتأميم المنابر وتغول القبضة الأمنية على الخطيب والمتلقي للخطبة، ويعكس فشل الوزارة في تجديد الخطاب الديني والنهوض بمستوى الإمام.

واعتبر في حديثه للجزيرة نت أن القرار سيؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة بالخطيب وعزوف الناس عن سماعه، فبعد فشل الخطبة الموحدة وانعكاساتها السلبية على الخطيب والمستمع تأتي الخطبة المكتوبة لتزيد الطين بلة.

كما يرى الطوخي أن القرار فيه إهانة للدعاة الذين تميزوا بالارتجال والفصاحة وأنه يهدف إلى تعبئة العقول بخطاب واحد يزيد من إضعاف دور الأئمة في المجتمع.

أما عضو جبهة علماء الأزهر الشيخ محمد عوف فيرى أن القرار يأتي ضمن سلسلة إجراءات تعتبر المسجد أحد الروافد الأساسية لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتسعى لتجفيفه وتفريغه من عوامل جذب الجمهور.

ضربة قاضية
وأضاف عوف للجزيرة نت أن القرار سيؤثر على روح الإبداع لدى الخطيب ويزعزع مكانته لدى جمهور المستمعين، بالإضافة إلى قتل التشويق لسماع الخطبة لديهم، وهو ما يجعل القرار ضربة قاضية تنهي دور المسجد.

ويشير عضو جبهة علماء الأزهر إلى أن القرار جاء بعد تعامل خطباء الأوقاف مع توحيد عنوان الخطبة بقدر من الدهاء حتى لا يتعرضوا للمساءلة أو الخصم، وذلك بتصدير عنوان الخطبة الذي اختارته الوزارة ثم تحويل الخطبة إلى موضوعاتهم المستهدفة.

أما أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية وصفي عاشور أبو زيد فيرى أنه من حيث المبدأ لا مانع من توحيد الخطبة في بعض الأحيان لتوصيل معان إيمانية معينة أو توعية بخطورة أمر ما كالتدخين والمخدرات والتحذير من قتل النفس وغيرها.

لكنه حذر في حديثه للجزيرة نت من أن يكون الدافع وراء التوحيد تحقيق أغراض سياسية لنظام حكم مستبد، وإرغام الناس على سماع شيء بعينه لأغراض لا علاقة لها بدين ولا دنيا، معتبرا أن ذلك "مما لا يرضاه الإسلام ولا يقره العقل".

ويرى أبو زيد أنه في بلد مثل مصر لا يمكن تطبيق هذا القرار إلا في المساجد الكبيرة أما الصغيرة في القرى وزوايا المساجد فيصعب ذلك، مطالبا الخطباء بمراعاة واقعهم وتلبية حاجات المسلمين في المكان الذي هم فيه لتحقيق مصالحهم.

المصدر : الجزيرة