"تحت السطح" يفضح جرائم سلطة الآثار الإسرائيلية
محمد محسن وتد-القدس المحتلة
في شتاء عام 2005 وتحت الأمطار الغزيرة شرعت سلطة الآثار الإسرائيلية بالحفريات في مقبرة مأمن الله الإسلامية في القدس لبناء "متحف التسامح"، ومورست ضغوط لتحصين وتسييج المكان بالجدران الحديدية وبناء خيمة عملاقة للإسراع في إنجاز الحفريات.
ورغم تكشف الحقائق والتحذير من نبش القبور وتداعيات هدم المقبرة وإقامة المتحف على أنقاضها، لم يأبه متخذو القرار في إسرائيل إلى ذلك، وأصروا على مواصلة الأعمال.
وفي كتابه "تحت السطح"، فتح مدير سلطة الآثار الإسرائيلية السابق شوكي دروفمان النقاش على مصراعيه فيما يتعلق بتناغم مواقف وإستراتيجيات المؤسسة الإسرائيلية والجمعيات التهويدية لطمس المعالم التاريخية والحضارة العربية والإسلامية بالقدس وتزيفها برموز توراتية.
مذكرات واعترافات
واختار دروفمان التزام الصمت حيال كواليس الحفريات أثناء القيام بها، لكنه دوّن كل مذكراته من خلال كتابه الذي صدر بعد وفاته، وسرد اعترافات ووثّق إفادات تتعلق بالحفريات ونبش شواهد القبور بمقبرة مأمن الله، والتي قامت بها سلطة الآثار بين عامي 2005 و2006 لوضع حجر الأساس لـ"متحف التسامح" المقام على مساحة 25 دونما.
وتكشفت من خلال اعترافات دروفمان وفصول كتابه صورة قاتمة عن حقيقة الحفريات التي قامت بها سلطة الآثار التي تولى إدارتها حتى عام 2014، حيث اعترف بالقيام خلال هذه الفترة بتدمير مئات القبور الإسلامية بمقبرة مأمن الله ونقل من فيها لأماكن مجهولة.
واستعرض الضغوط التي مورست عليه وعلى سلطة الآثار من قبل شخصيات رسمية في الحكومة الإسرائيلية ومنظمة "فيزنتال" الأميركية المبادرة لمشروع المتحف.
واعترف بأن قرار إجراء الحفريات كان خاطئا كونه تسبب في تدمير مئات القبور وطمس أول مقبرة إسلامية بالمدنية والتي يعود تاريخها لبداية العصر الإسلامي الأول.
ووصف تدمير مقبرة مأمن الله بالقضية المثيرة والكئيبة كونها تتعلق بهدم قبور قديمة، علما بأن الفحوص الأولية التي أجريت قبيل البدء بمشروع المتحف قطعت الشك باليقين بأن الحديث يدور عن قبور إسلامية تم طمسها بالإسفلت وبناء موقف للسيارات.
حقائق وكواليس
لم يكن عالم الآثار الإسرائيلي جدعون سليماني قادرا على العمل في سلطة الآثار التي أوكلته مهمة الإشراف على الحفريات، لكن وبعد أن تكشفت له الحقائق بأن الحفريات المخططة لها ستجرى بمقبرة إسلامية نبه وحذر من تباعات ذلك، وتحفّظ على مواصلة العمل وقدم استقالته بعد رفض طعونه.
ولفت سليماني في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحفريات في مأمن الله وتخوم القدس القديمة وتحت الأقصى تجريها سلطة الآثار لصالح جمعية "العاد" وصندوق "إرث المبكى" بإيعاز من الحكومة الإسرائيلية التي تتحمل مسؤولية هدم الإرث الحضاري والتاريخي والمعالم الأثرية.
وأشار إلى أن كواليس الحفريات ورغم كثرة الحديث عنها تبقى مبهمة وفي طي الكتمان كونها تتم بسرية، حيث لا تفصح سلطة الآثار عن حقيقة وحجم وأسلوب الحفريات، ولا يعرف ولا يشاهد أحد ما يتم القيام به حتى بالأنفاق التي كثيرا ما تفتح للجمهور لفرض الرواية الإسرائيلية.
هدم وطمس
من جانبه، يجزم الباحث في الآثار الإسلامية والعربية والمختص بالعلوم الأثرية بالقدس والأقصى عبد الرازق متاني أن مثل هذه الاعترافات تكشف عن حجم وخفايا الانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات وهول مشاريع طمس وتدمير الحضارات وتزيف تاريخ وجغرافيا المكان بمشاريع تهويدية واستيطانية قوامها الرموز التلمودية.
وعزا متاني في حديثه للجزيرة نت مثل هذه الاعترافات والتصريحات لعلماء الآثار الإسرائيليين إلى محاولة الخروج من المأزق والضائقة بعد تدمير الحضارات والشراكة في تزييف التاريخ والآثار.
ويعتقد أن هذه المواقف والأصوات تبقى فردية وهامشية ومحدودة لدرجة أن المؤسسة الإسرائيلية التي تتمادى في الانتهاكات والتدمير لا تأبه بها، وتفرض وقائع من خلال تحجيم الآثار والسعي لشطب الحضارة العربية والإسلامية.