وصفة ودواء.. مهمة جديدة للمخابرات المصرية

صورة لعدد من عربات الإسعاف التابعة لوزارة الصحة
صورة لعدد من عربات الإسعاف التابعة لوزارة الصحة المصرية (الجزيرة)
عبد الرحمن محمد-القاهرة

أنهى جهاز المخابرات العامة المصرية أمس الثلاثاء قافلة طبية نظمها بالتعاون مع وزارة الصحة هي الأولى من نوعها، وقد أثارت جدلا واسعا كون اختصاصات الجهاز المتعلقة بحماية الأمن الوطني أبعد ما تكون عن مجال الخدمة الطبية للمواطنين.

القافلة بدأت الأحد الماضي وتركزت بمراكز محافظة أسيوط في صعيد مصر لإجراء الكشف الطبي على المرضى وتلقي العلاج بمشاركة عشرين طبيبا في مجالات مختلفة، أبرزها الباطنية والأطفال والنساء، وهي "تأتي في إطار دعم الدولة لخدمة الطبقات الفقيرة"، بحسب مسؤولين في وزارة الصحة.

وأثار إعلان وسائل إعلام محلية عن هذه القافلة جدلا واسعا، كما نالت قدرا عاليا من سخرية نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين رأى مراقبون أن الإعلان يستهدف إيصال رسالة من الجهاز بدعمه للرئيس عبد الفتاح السيسي بعد نشر تقارير تحدثت عن خلاف مكتوم بين الجهاز ومؤسسة الرئاسة.

وجهاز المخابرات العامة أنشأه جمال عبد الناصر بعد ثورة 1952 وأوكل إليه مهمة حماية الأمن الوطني، وتركز دوره خارجيا، إلا أنه مع توقيع اتفاقية السلام في 1979 بدأ يتدخل في الشأن الداخلي، خاصة في ملفات المعارضة السياسية للنظام ومكافحة الإرهاب والجاسوسية.

‪فهمي: الإعلان عن هذه القافلة دليل على وجود صراع بين الأجهزة الأمنية‬ (الجزيرة)
‪فهمي: الإعلان عن هذه القافلة دليل على وجود صراع بين الأجهزة الأمنية‬ (الجزيرة)

دليل صراع
ويرى رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى السابق رضا فهمي في الإعلان عن هذه القافلة "دليلا على وجود صراع بين الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها جهازا المخابرات العامة والمخابرات الحربية".

وتابع في حديثه للجزيرة نت "قد يكون الأخير هو من سرّب خبر قيام جهاز المخابرات العامة بالقافلة الطبية بهدف النيل من مكانته التي اكتسبها طوال فترة حكم مبارك وأجزاء من فترة السادات".

ويرى فهمي أن هذا الأمر "يكشف حجم التصدع في منظومة الانقلاب، وصراع الأجهزة أحد مظاهرها"، مشيرا إلى أن "السيسي ازدادت مخاوفه مؤخرا نتيجة لهذا الصراع، مما دفعه إلى الاستعانة بشركات أمن أجنبية خاصة لخشيته على نفسه من الحرس الجمهوري".

بدروه يرى رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير أن تنظيم هذه القافلة "يمثل سقطة كبيرة في ملف الأمن القومي المصري، فالجهاز مهمته الأساسية جمع المعلومات وليس له سلطات تنفيذية أو تواصل مباشر مع الجماهير".

وأضاف للجزيرة نت "تنظيم قوافل طبية يقزم من قوة الجهاز ويغير من الصورة الذهنية عنه، فضلا عن أنه يجعله في اشتباك مباشر مع مشاكل جماهيرية، وهو غير مؤهل لذلك، وحدوث ذلك دليل أولي على تفكك الدولة تماما وتحولها إلى كيان مشوّه يتسم بعدم الثبات وعدم الاستقرار".

وتابع المنير "يبدو أن صراع الأجهزة قد أصبح على أشده، وأن هذا له امتداداته الخارجية"، مشيرا في هذا السياق إلى اتهام أحد الأجهزة الأمنية حركة حماس بالمشاركة في قتل النائب العام السابق هشام بركات، ليعقبه دعوة جهاز المخابرات العامة لقيادات حماس للمجيء إلى القاهرة لبحث عدد من الملفات المشتركة.

‪المنير: تنظيم قوافل طبية يغيّر من الصورة الذهنية عن المخابرات المصرية‬ (الجزيرة)
‪المنير: تنظيم قوافل طبية يغيّر من الصورة الذهنية عن المخابرات المصرية‬ (الجزيرة)

ضعف كفاءة
أما الباحث السياسي أحمد طه فأرجع تنظيم هذه القافلة من قبل المخابرات إلى "الانخفاض الشديد في الكفاءة الوظيفية لمؤسسات الدولة المختلفة".

وتابع طه موضحا للجزيرة نت "اعتدنا خلال الأعوام الأخيرة على قيام القوات المسلحة بدور اجتماعي عبر تقديم أنشطة خدمية، إلا أن اللافت هذه المرة هو دخول جهاز سيادي كبير مثل المخابرات العامة هذا المضمار بشكل علني لأول مرة، وهو ما يتنافى مع طبيعة عمله الذي يقوم على السرية في المقام الأول".

وأشار طه إلى أن "هذه الأنشطة الخدمية تقع خارج النطاق الاختصاصي للجهاز الذي يُعنى بشؤون الأمن القومي، وكان الأولى توجيه الجهد الحكومي لإصلاح المؤسسات المتهالكة وتوفير جهود جهاز المخابرات لمهمته الأساسية".

في المقابل، اعتبر الخبير العسكري اللواء صادق عبد الواحد تنظيم هذه القافلة من قبل جهاز المخابرات "أمرا إيجابيا يصبّ في صالح الشعب المصري".

وتابع في حديثه للجزيرة نت "المخابرات أحد أجهزة الدولة الوطنية، والغريب أن يُستغرب من مشاركتها في التخفيف عن كاهل المواطن، ولعلها في تنفيذها هذه الخدمات تنفذ توجيها من قبل مؤسسة الرئاسة".

وعما إذا كانت القافلة تمثل غطاء لعمل استخباراتي ينفذه الجهاز، قال عبد الواحد "الجهاز محترف ووطني، ومن حقه أن يقوم بأدواره بالشكل الذي يراه، إلا أنني أرى أن الجهاز يسعى من خلال القافلة بشكل أساسي إلى التخفيف عن المواطن البسيط".

المصدر : الجزيرة