كبة: تجربة محاربة الأبارتايد قابلة للتطبيق بفلسطين

الشيخ مختار كبة رئيس منتدى الوسطية بأفريقيا نواكشوط
الشيخ مختار كبة: لفلسطين والقدس مكانة عميقة في نفوس الأفارقة المسلمين (الجزيرة)

أحمد الأمين- نواكشوط

قال رئيس منتدى الوسطية بأفريقيا الشيخ مختار كبة إن قضية القدس وفلسطين لا تزال توحد الأفارقة بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم، رغم تسلل إسرائيل إلى بلدان في القارة، مستفيدة من التشويش الذي سببه التطبيع العربي معها.

وقال كبة في مقابلة مع الجزيرة نت إن إسرائيل منذ أن زرعت في المنطقة تسعى للحصول على موطئ قدم في أفريقيا وقد فشلت في تحقيق ذلك أكثر من نصف قرن، لكن التطبيع العربي معها سمح لها بالتغلغل في القارة وفتح سفارات في عدد كبير من بلدانها.

وأضاف أن الأفارقة ارتبطوا بالقضية الفلسطينية لبعدها العقدي ورمزيتها الدينية، وظلت حاضرة في الشارع السياسي باعتبارها قضية تحرر ونضال ضد الظلم، مثل كفاح شعوب الجنوب الأفريقي ضد التمييز العنصري، وكان دعم ومساندة النضال الفلسطيني ثابتا من ثوابت السياسة الأفريقية.

وفيما يلي نص المقابلة:

undefined ماذا تعني القدس في نفوس الأفارقة؟

الشيخ مختار كبة: لفلسطين والقدس مكانة عميقة في نفوس الأفارقة المسلمين الذين انطبع المسجد الأقصى في وجدانهم العقدي بوصفه أولى القبلتين وثالث الأماكن المقدسة والمساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها.

وعبر التاريخ كانت أرض الإسراء والمعراج مأوى أفئدة الأفارقة، وكان الأقصى محطة ثابتة في رحلة حجهم إلى بيت الله الحرام، وقد خلد عدد من الشيوخ والرموز من أفريقيا والسنغال ذلك في أشعارهم، كما هو حال الشيخ ألفا هاشم الذي استقر به المقام في المدينة المنورة، والشيخ الحاج عمر، والشيخ الحاج مالك، وغيرهم من كبار العلماء الذين مروا بالمسجد الأقصى.

إن القضية الفلسطينية حاضرة في الذهنية الأفريقية لبعدها العقدي ورمزيتها الدينية، وحاضرة في الشارع السياسي بوصفها قضية عادلة تجب مناصرتها والوقوف معها حتى يتحرر الشعب الفلسطيني ويسترجع كل حقوقه المغتصبة، مثل ما تحرر الأفارقة من الاستعمار، وسقط نظام الميز العنصري في جنوب أفريقيا بفعل نضالات الشعوب الأفريقية.

undefinedكيف ترون حضور القضية الفلسطينية في الشارع الأفريقي وفي مواقف دول القارة؟

هنالك ثلاث قضايا شكلت عناوين كبرى لنضال الأفارقة في العصر الحديث، هي مواجهة الاستعمار الخارجي، والميز العنصري في جنوب أفريقيا، والقضية الفلسطينية.

ولا أزال أتذكر صورة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مع الزعيم الأفريقي سام نجوما في مناسبات القارة الكبرى، تعبيرا عن تأييد الأفارقة للشعب الفلسطيني، واعتبار قضيته قضية تحرر ونضال ضد الظلم، كما هي قضية شعوب الجنوب الأفريقي، وكان دعم ومساندة النضال الفلسطيني ثابتا من ثوابت السياسة والنضال الأفريقيين.

لقد ظل الأفارقة يدافعون عن قضية الشعب الفلسطيني ويساندونه من أجل استرجاع حقوقه المغتصبة من طرف الصهاينة، وكانوا -بمختلف توجهاتهم- يعتبرونها قضية تحرر يجب تأييدها والوقوف إلى جانبها.

لكن هذه الصورة تأثرت سلبا -للأسف- بعد اتفاق أوسلو وسياسات التطبيع التي أضرت بالقضية، وسمحت لإسرائيل بالتسلل إلى القارة، بعد أن استغلت الصورة المشوهة للواقع لتقول إن الصراع انتهى، وأن الفلسطينيين وقعوا اتفاق سلام معها، والدول العربية -بما فيها بعض تلك الواقعة في القارة- أصبحت لديها علاقات دبلوماسية معلنة ورسمية.

لقد استغل الإسرائيليون تطبيعهم مع بعض البلدان العربية للتسلل إلى القارة، وفتحوا سفارات في دول أفريقية عديدة، لكن الشعب الأفريقي في مجمله لا يزال مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية عموما.

ففي السنغال على سبيل المثال رفض خليفة "الطريقة المريدية" إحدى أكبر الطرق الصوفية في البلاد حضور السفير الإسرائيلي لموسم "ماغال" السنوي الذي يحضره ملايين الزوار والمدعوين من مختلف أرجاء العالم، والذي ينظم في ذكرى عودة الشيخ أحمد بمب من المنفى على يد الفرنسيين.

ومُنع سفير إسرائيل من دخول مدينة طوبا رغم دعوة كل أعضاء السلك الدبلوماسي، وحضور أعضاء الحكومة السنغالية.

فقد تزامن الموسم مع الحرب على غزة 2014 فرفض خليفة "المريدية" أن تستقبل مدينته ممثل كيان معتد يقتل النساء والأطفال في قطاع غزة.

وعلى النسق نفسه، فإن "الطريقة التجانية" التي هي أكثر الطرق حضورا وتأثيرا في أفريقيا تنظم موسما سنويا في السنغال، خلال هذا الموسم هنالك فقرة ثابتة هي يوم فلسطين، الذي يخصص للتعريف بالقضية الفلسطينية ومناصرتها والدعوة إلى دعمها.

وتتناغم هذه المواقف مع توجه عام في الشارع السنغالي، فالنقطة التي توحد مشارب الفعاليات السنغالية بتنوعها هي قضية فلسطين، ففي أي فعل تضامني مع القدس وفلسطين تجد المنظمات الإسلامية والأحزاب اليسارية، وكل مكونات المجتمع المدني جنبا إلى جنب، في مشهد نضالي يعكس دعم السنغاليين لهذه القضية وتفاعلهم معها.

وفي الإعلام كذلك هنالك انحياز واضح لفلسطين، رغم أن السفارة الإسرائيلية في داكار استطاعت استمالة بعض ضعاف النفوس.

undefinedما دور المنظمات الإسلامية في ترسيخ هذا الموقف وتعميم الوعي بالقضية الفلسطينية؟

المنظمات الإسلامية تقوم بنشاطات تعبوية متنوعة، تشمل تنظيم الندوات والمحاضرات والفعاليات الثقافية للتعريف بقضية فلسطين بوصفها قضية إسلامية، كما هي قضية إنسانية، وقضية تحرر ونضال ضد الظلم والقهر والاحتلال.

وفي المناسبات التي تتطلب تعبئة عامة ننظم المسيرات والمهرجانات بهدف الحشد لصالح القضية وتقديم الدعم لها، وهنالك نشاط إعلامي مستمر من خلال البيانات والحضور في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، لتصحيح المفاهيم والتصدي لحملات التشويش التي تقوم بها آلة الدعاية الصهيونية والدائرين في فلكها.

undefinedظلت إسرائيل على الدوام تبحث عن مكان في القارة الأفريقية إلى أي حد نجحت في ذلك؟

منذ أن زرعت في فلسطين لم تأل إسرائيل جهدا في الحصول على موطئ قدم في القارة الأفريقية، لكن جهودها تلك اصطدمت برفض إفريقي قوي، ولم تتمكن على مدى نصف قرن تقريبا من إقامة علاقات دبلوماسية إلا مع دولتين فقط، لا أريد أن أذكرهما.

غير أن هذا الواقع تغير في العقدين الأخيرين، حيث استطاعت التسلل إلى القارة، مستغلة ثغرات أحدثتها سياسات التطبيع في تسعينيات القرن الماضي، وفتحت سفارات في عدد كبير من البلدان الأفريقية.

وفعلا استطاعت إسرائيل ربط علاقات أمنية واقتصادية مع بعض الدول وأصبح لها وجود قوي -للأسف- في دول مثل كينيا وساحل العاج وتوغو، وهنالك الآن محاولة لعقد قمة إسرائيلية أفريقية في توغو.

وهذه بادرة خطيرة وسيئة تجب مقاومتها والتصدي لها، لأن عقد هذه القمة يشكل نقلة في التعامل مع إسرائيل، ويفتح لها أبواب القارة مستغلة حرص أنظمة غير شرعية على البقاء في السلطة، من خلال التلويح لها بقدراتها الأمنية.

undefinedما تجليات الاختراق الإسرائيلي للمجتمعات الأفريقية عموما والمجتمع السنغالي خصوصا؟

تبدو العلاقات الاقتصادية واحدا من المجالات التي تغلغلت إسرائيل من خلالها إلى بلداننا، فالتعاون التجاري أصبح ملحوظا بين عدد من الدول الأفريقية وإسرائيل، والبضائع ذات المنشأ الإسرائيلي موجودة بكثرة في أسواقنا، ولديهم حضور ملحوظ في المشاريع التنموية.

وهنالك جانب آخر أخطر بدأت إسرائيل تركز عليه هو التبادل المعرفي الأكاديمي والثقافي على مستوى رفيع.

ومن خلال هذا التبادل سيكون لهؤلاء حضورهم الأكاديمي في المؤسسات التعليمية، وهو حضور سيسهل لهم الوصول إلى الشباب والنخبة المثقفة، وسيكون التركيز قويا على التأثير في قناعاتها ورؤاها، لخلق جيل يتبنى أطروحاتهم ورؤيتهم ويدافع عن أفعالهم.

ورغم خطورة الحضور الإسرائيلي في القارة الآن، فإن وجودها لا يزال هشا ومحدود التأثير مقارنة بالمكتسب العربي الإسلامي، فإسرائيل لا تزال موضع رفض شعبي في القارة، ولم تستطع كذلك التأثير في المواقف الرسمية الداعمة للقضية الفلسطينية حتى في تلك البلدان التي فتحت فيها سفارات.

وعلى سبيل المثال فإن السنغال الذي توجد به سفارة إسرائيلية لا يزال أحد البلدان المؤيدة لفلسطين، وهذا ما تعكسه مواقفه الداعمة دائما للقضايا العربية وللقدس وفلسطين.

undefinedكيف ترون سبل مواجهة هذا العمل المنظم من إسرائيل لاختراق المجتمعات الأفريقية؟

المواجهة تكون أولا بدعم الشعب الأفريقي من خلال منظماته لينهض بدوره فيما نسميه المواجهة مع العدو، فأفريقيا قادرة على أن تساهم في إرجاع الحق لأهله.

لقد خاضت أفريقيا معركتين كبيرتين، أولاهما معركة التخلص من الاستعمار، فواجهت فرنسا وإيطاليا والبرتغال وبريطانيا، ونجحت في تلك المواجهة بشكل كبير رغم بعض الآثار السلبية.

أما الثانية فهي معركة التمييز العنصري في جنوب القارة، حيث عبأت كل طاقاتها لذلك واستخدمت سلاح المقاطعة الاقتصادية والمواجهة الدبلوماسية والتعبئة الإعلامية والإعداد التربوي للأجيال، فكان أول درس نتلقاه عند افتتاح كل سنة دراسية يتعلق بالتعريف بنضال الأفارقة ضد نظام الأبارتايد، وتأكيد أن التمييز العنصري جريمة ضد الإنسانية.

وبالتأكيد فإن هذه التجربة قابلة للتطبيق في أفريقيا لصالح الأقصى وفلسطين تحت المظلة الإسلامية، خاصة إذا تحرك العالم الإسلامي وفي مقدمته الدول العربية في هذا الاتجاه من خلال المؤسسات والهيئات، لتدفع الشعوب الأفريقية للمشاركة في العمل من أجل استرجاع حقوقنا المغتصبة.

وأنا واثق أن الشعوب الأفريقية بحماسها وجديتها لو شاركت في هذه المعركة بصورة فعالة مع العالم العربي فبإمكانها حسم الصراع في وقت أقل مما تظن.

المصدر : الجزيرة