شوارع القاهرة تحت سيطرة السيَّاس

يجب أن يكون المبلغ المدفوع للسايس مقابل الانتظار معقولا وإلا فلا مغادرة إلا بالدفع.
السياس ينتشرون في شوارع القاهرة ويحصلون على المال مقابل المساعدة في إيجاد مكان لانتظار السيارات (الجزيرة)
عبد الله حامد-القاهرة

يظل قائد السيارة يبحث يائسا عن مكان انتظار بشوارع القاهرة المزدحمة، ليفاجأ بوجه شوهته الجروح الغائرة، يقتحم عليه نافذة سيارته، ويعرض المساعدة مقابل مال، تتغير الوجوه ويتوحد اسم المهنة؛ سايس.

والسيّاس تعرفهم بسيماهم.. ملامح محايدة، ابتسامة مصطنعة، وصفارة، وطاقية، والزي الفوسفوري أحيانا.

بعد جولة في شوارع القاهرة، تبين أن غالبية حكايات هؤلاء متشابهة، عاطلون عن العمل لتاريخهم الجنائي، لا يرحب بتشغيلهم أحد، ولا يجدون من يحنو عليهم، إلا أمناء شرطة يعرفون عنهم كل شيء، يتركونهم يقتسمون السيطرة على الشوارع مقابل جزء من العوائد نهاية النهار.

هم ملاك الشوارع الجدد كما يراهم ساخرا "أشرف عبده"، وهو قائد سيارة يعاني منهم "لأنهم تقاسموا الشوارع المزدحمة، بوضع اليد، لابتزاز مالكي السيارات بشكل غير شرعي مقابل توفير مكان لركن سياراتهم" كما يقول.

وبهذه السخرية يتحدث أحمد الشحي، وهو صاحب سيارة يرتاد وسط القاهرة، قائلا "قديما غنت المطربة ماجدة الرومي "الشارع لنا"، وهو ما صار شعارا للثوار في ثورة يناير، غير أنه تحول مع بسط هؤلاء السيّاس نفوذهم لشعار لهم".

ويصف فتحي حمد، وهو سائق تاكسي، الحال قائلا "إنهم مثل الحكومة، يطلبون الدفع أولا بنعومة، وإلا فبالخشونة، تماما كما تفعل الحكومة معنا". 

‪الزي الفوسفوري يرتديه السيّاس ليميزهم قائدو السيارات الراغبون في ركن سياراتهم‬ (الجزيرة)
‪الزي الفوسفوري يرتديه السيّاس ليميزهم قائدو السيارات الراغبون في ركن سياراتهم‬ (الجزيرة)

ظلمة ومظلومون
لكن أصحاب المهنة لهم رأي مختلف، أفضوا به للجزيرة نت، فها هو منصور صاحب السوابق الجنائية يعترف بأنهم "ضحية ظروف قاهرة، فلا المجتمع يرحّب بهم، ولا الحكومة توفر لهم وظائف شريفة".

الحنان الوحيد الذي تلقاه منصور كان من أمين شرطة بأحد أقسام منطقة وسط القاهرة، الذي اقتطع له منطقة ليعمل بها سايسا، وهكذا "صرت أجمع المال من سيارات الانتظار، لكي أستطيع دفع مئتي جنيه للأمين ليلا، والباقي الأقل لي" كما يقول.

ولا تختلف قصة السايس مصطفى كثيرا، فيحكي وهو يشير للجرح الغائر بوجهه من أثر ضربة مطواة أثناء اشتباك شوارع، أنه بعد خروجه من السجن حاول إيجاد عمل شريف، ولكن ثورة يناير تسببت في مزيد من البطالة، فدعاه أحد رفقاء المهنة للعمل معه، حيث "ألاحق معه الزبائن قبل أن يهربوا دون دفع مقابل الانتظار.

‪من غير السيّاس لا يمكن لأصحاب السيارات الانتظار ببعض الأماكن‬ (الجزيرة)
‪من غير السيّاس لا يمكن لأصحاب السيارات الانتظار ببعض الأماكن‬ (الجزيرة)

عيون وأذرع
وبحزم وافتخار يقول عزت "أقوم بمهمة وطنية لبلدي، فأسارع بإبلاغ الشرطة عن وجود أي شيء يهدد الأمن فورا، وفي مقابل ذلك يتركونني أعمل هنا".

يقترب أمين شرطة المرور منا وهو يتساءل عما إذا كانت هناك مشكلة مع السايس، وبعد تجاذب أطراف الحديث، يقول مطَمئنا إن "سيّاس منطقته لا يمكنهم ممارسة الإجرام أو الغدر، لأنه يعرف كيف يأتي بهم".

ويحكي الأمين أن سائسا بشارع رمسيس وسط القاهرة ترك له أحدهم مفاتيح سيارته لكي يركنها له، وهرع للحاق بمريض عزيز بالمستشفى المجاور، فاستحسنها السايس وقادها وذهب ولم يعد، ولكن تم إحضاره وإعادة السيارة وحرمانه من العمل.

جولة الجزيرة نت بالقاهرة أظهرت أن الحد الأدنى في مقابل الانتظار بين خمسة جنيهات (نحو ثلاثين سنتا) وعشرين جنيها، حسب الوقت والمكان.

وغالبا يطلب السايس المقابل مقدما، ومن يفلت من إتاوة الدخول لن يفلت عند المغادرة، وعدم الاستجابة للدفع ربما يعرض السيارة وصاحبها للخطر.

المصدر : الجزيرة