"أرواح موؤودة".. حكايات عائلات أبيدت بغزة

محمد عمران-غزة

قبل أن تمر الذكرى الأولى لاستشهاد والديه وستة من أشقائه، كان العشريني ياسر الحاج قد تزوج وبدأ في إزالة ركام منزله المدمر استعداداً لإعادة إعماره من جديد، للإيفاء بعهد قطعه على نفسه وهو يودع أفراد عائلته بألا يستسلم لليأس والحزن.

ونجا ياسر من المجزرة مع شقيقته الكبرى لوجودهما خارج المنزل خلال قصف الاحتلال له في خان يونس جنوب قطاع غزة. وبدا حاليا في أوضاع نفسية أكثر تماسكا وقدرة على الولوج لسبل العيش، قائلا إنه يؤمن بأن المضي قدما في الحياة يشكل وجها آخر لمقاومة الاحتلال بسلاح الأمل.

بيد أنه ما زال يتجرع مرارة فراق عائلته، ويتذكر لحظة مشاهدة جثامين والديه وأشقائه تحت الركام، ولا يهوّن عليه سوى سعيه الحثيث لملاحقة قادة الاحتلال على جريمتهم في حق عائلته وعشرات الأسر التي أبيدت خلال العدوان الأخير على غزة.

وفي حديث للجزيرة نت، يثني الشاب على جهود توثيق مجازر العائلات التي أبيدت خلال الحرب باعتبارها مهمة وطنية على عاتق المؤسسات الأهلية والحكومية، لكنه يعتقد أن تناول الجوانب الإنسانية لقصص هذه العائلات لا يقل أهمية عن عملية التوثيق القانوني.

وتعتبر عائلة ياسر أفضل حالا من أسر غزية أخرى لم ينج منها من يحافظ على نسلها، حيث أبادها الاحتلال كلها ولم يبق سوى ذكر أسمائها في الوثائق والكتب.

غلاف كتاب أرواح موؤودة للصحفية أسماء الصانع(الجزيرة)
غلاف كتاب أرواح موؤودة للصحفية أسماء الصانع(الجزيرة)

توثيق الجرائم
ويشكل كتاب "أرواح موؤودة" جزءا من الإصدارات الإعلامية التي توثق جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة خلال الحرب الأخيرة.

واحتفل المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الخميس بإصدار الكتاب الجديد الذي أعدته الصحفية أسماء الصانع.

وبأسلوب قصصي إنساني مؤثر، نجحت الصانع في تقديم صور لمأساة 51 عائلة أبيدت بشكل جماعي، عبر سرد لتفاصيل كل مجزرة قبل تقديم شهادة أحد ممن عايشوها.

ووضعت الصانع عناوين أكثر توصيفا للمجازر، من قبيل: تأشيرة الرحيل، وإعدام الأرواح بالجملة، في وجه الموت، مصير بضغطة زر، وأصوات تحت الركام، ثلاث دقائق، إضافة إلى: خبز بقطرات الدم، عيد شهيد، أراجيح الموت، والموت ألف مرة.

وفي الوقت الذي عرض فيه الكتاب صورا لبعض مجازر العائلات، تعذر نشر صور عائلات أخرى لقسوة مشاهد الأشلاء وللحفاظ على حرمة الشهداء، بحسب ما ورد في المقدمة.

وتعزو الصحفية اختيار 51 عائلة من بين ما يزيد على 140 أسرة أبيدت بغزة، إلى رمزية الرقم 51 كونه يمثل أيام الحرب كاملة، حيث الدمار والقتل في مقابل الصمود والانتصار.

‪الصانع: آلمني حديث الشهود عن تناثر الأشلاء واحتراق الأجساد‬ (الجزيرة نت)
‪الصانع: آلمني حديث الشهود عن تناثر الأشلاء واحتراق الأجساد‬ (الجزيرة نت)

الأجساد المحترقة
وتقول للجزيرة نت إنها تأثرت بكافة تفاصيل القصص التي كتبتها، لكن أكثر ما كان يؤلمها ويبكيها هو حديث الشهود عن تناثر أشلاء الشهداء بين الأشجار، والتصاق الأجساد المحترقة بالأرض، واستشهاد عائلات هربت من الموت لتلقى حتفها بمكان اعتقدت أنه آمن.

وتضيف أنها حرصت على إضافة شهادات حية لمن عايشوا الحرب إلى جانب قصص العائلات، إضافة إلى سرد الانتهاكات القانونية للاحتلال، مع الحديث عن "الأجنة الشهداء"، وتقديم إحصاءات دقيقة عن العدوان.

الكتاب الذي استغرق إعداده سبعة أشهر وصدر باللغتين العربية والإنجليزية، يمثل رسالة موجهة للقارئ الأجنبي ليكون صورة أكثر قرباً من مأساة هذه العائلات، بحسب مدير عام مكتب الإعلام الحكومي بغزة سلامة معروف.

ويبين معروف أن رسالة الكتاب تكمن في التأكيد على استهداف الاحتلال للمدنيين في منازلهم وبطلان ادعائه أن كان يقصف مواقع المقاومة، ويوضح أن تفاصيل القصص تقدم ملامح إنسانية خالصة وتسرد عذابات للناجين تدمي قلوب الإنسانية جمعاء.

ويقول للجزيرة نت إن الكتاب يضاف إلى الكثير من الوثائق التي يمكن الاستناد إليها في إدانة الاحتلال وتقديم مقترفي هذه المجازر للعدالة، خصوصا بعد انضمام فلسطين للجنائية الدولية.

المصدر : الجزيرة