بين شطري حلب.. رحلة محفوفة بالمخاطر

ساحة جامعة حلب
الحافلات تنطلق من ساحة جامعة حلب باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة (الجزيرة نت)

عمر يوسف-حلب

"لقد أخبرت الركاب أن أي تأخير في الحضور سوف يعرضنا للخطر، معظمهم يأتي قبل يوم واحد من الرحلة ويؤكد الحجز، المسير في الليل خطير جدا وقد يعرض الحافلة للقصف من الطيران الحربي في أية لحظة ودون سابق إنذار".

بهذه العبارات يروى أبو أسعد  -وهو سائق حافلة صغيرة- جانبا من مخاطر نقل الركاب بين شطري مدنية حلب السورية.

تنطلق الحافلة من ساحة جامعة حلب مروراً بحي الحمدانية الذي يتبع لسيطرة النظام، ويبدأ مسلسل طويل من حواجز التفتيش والتدقيق على هويات المسافرين بحثاً عن المطلوبين واستجواب الركاب عن طبيعة عملهم ووجهة سفرهم.

ومنذ إغلاق معبر بستان القصر الذي يربط بين شطري مدينة حلب، بات المدنيون يخوضون تجربة مريرة أثناء التنقل بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة.

ويؤكد أبو أسعد أنه في كل رحلة يدفع مبلغاً من المال رشوة لعناصر الحواجز التابعة للنظام، لغض الطرف عنه والسماح له بعبور سريع يوفر عليه الوقت وتفتيش أمتعة المسافرين.

وفي حال لم يدفع سائق الأجرة رشوة يقوم عناصر الحاجز بإنزال أغراض المسافرين وتفتيشها، وفق روايته.

في جنوبي مدينة حلب تمر الحافلة بالقرى التي سيطر عليها النظام بعد معارك عنيفة مع قوات المعارضة منذ حوالي عام ونصف العام.

‪جانب من إحدى محطات النقل بريف حلب‬ (الجزيرة نت)
‪جانب من إحدى محطات النقل بريف حلب‬ (الجزيرة نت)

مشاهد الدمار
وتشهد المنازل الريفية في قرية السفيرة على ضراوة القتال، فمعظمها دمّر بشكل كامل جراء القصف والصواريخ، بينما تبعث الحافلات المحترقة الخوف في قلوب المسافرين.

في منتصف النهار، تتوقف الحافلات الواصلة لمنطقة أثريا في ريف حماة الشرقي حيث يسيطر النظام ليأخذ الركاب قسطا من الراحة قبل استكمال الطريق شرقاً في الصحراء نحو مناطق توصف بالمحايدة كونها غير موالية لأي من الأطراف المتنازعة.

وعندما تقترب الحافلة من ريف حلب الشرقي حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية، يبدأ السائق أبو أسعد بتحذير الركاب بإطفاء السجائر، وتنبيه النساء بضرورة وضع الخُمُر على وجوههن خوفاً من التوقيف والمساءلة.

ووفق تعليمات تنظيم الدولة لا يسمح للنساء بالسفر دون محرم، كما يمنع كشف الوجه، أما بالنسبة للرجال فيتم التدقيق في الشكل والملابس، ويتعرض للزجر من يرتدي بنطال الجينز من المسافرين، أما التدخين فيعرض صاحبه للجلد في أحسن الأحوال.

بعد تجاوز مدن وبلدات الريف الشرقي يتنفس الركاب الصعداء، وعندما تقترب الشمس من المغيب تكون الحافلة عند تخوم أحياء حلب الشرقية حيث تسطير المعارضة.

‪الحافلات الصغيرة تسلك طرقا ملتوية لنقل الركاب بين طرفي حلب‬ (الجزيرة نت)
‪الحافلات الصغيرة تسلك طرقا ملتوية لنقل الركاب بين طرفي حلب‬ (الجزيرة نت)

براميل الطريق
لكن الخطر لم ينته بعد، فمروحيات النظام قد تلقي في أية لحظة برميلا متفجرا على الطريق.

في مداخل حلب الشرقية تدقق حواجز المعارضة على ركاب الحافلات بحثاً عن المطلوبين وعملاء النظام، ولا يبدي عناصر الحاجز تشدداً في مسألة التدخين وغطاء وجه النساء كما يحدث لدى تنظيم الدولة.

تتوقف الحافلة في حي الشعار الشعبي إيذانا بانتهاء الرحلة، بينما ينذر دمار المباني بخطر المكان، ويرحل الركاب كلٌّ في طريقه إذ يجب الإسراع قبل أن تغيب الشمس ويبدأ طيران النظام طلعاته الجوية.

وإذا كان المسافر موظفا حكوميا متقاعدا يسكن في مناطق المعارضة، فيتوجب عليه السفر للضفة الثانية من المدينة آخر كل شهر لاستلام راتبه مما يعرضه لخطر الاعتقال والقصف.

ويروي أبو شادي -وهو موظف حكومي متقاعد- أنه يقوم بهذه الرحلة الطويلة كل شهر لاستلام راتبه من مبنى البريد في حي الجميلية والبالغ 25 ألف ليرة (مائة دولار أميركي تقريبا)، ويدفع  ثلثه ثمنا للمواصلات.

ويسكن أبو شادي في حي المشهد الذي تسطير عليه المعارضة، ولا ينسى كيف كان الذهاب لاستلام الراتب "قبل الأحداث" لا يستغرق ثلث ساعة عبر حافلات النقل الداخلي بأجرة خمس ليرات إلى قلب المدينة.

المصدر : الجزيرة