فرنسا والعالم العربي.. عقود من خيبات الأمل

كتاب " الجمهورية الخامسة و العالم العربي ـ خيبة الامل" لإنياس دال

سعيد نمسي-باريس

يصدر للإعلامي الفرنسي إنياس دال في الأسابيع المقبلة كتاب حول الأزمة السورية بعد حوالي عام على صدور كتاب له تحت عنوان "الجمهورية الخامسة والعالم العربي-خيبة الأمل" الذي يرصد فيها ملامح الفشل الذي شاب العلاقات بين باريس والعالم العربي في ظل حكم سبعة رؤساء تعاقبوا على الإليزيه في ستة عقود.

ويقول إنياس دال، الذي عاش 20 عاما متنقلا بين عدة عواصم عربية مراسلا لوكالة الأنباء الفرنسية، إن كتابه المقبل "الأزمة السورية من الدكتاتورية إلى الخراب" يتضمن تحليلا لاستراتيجيات الفاعلين الدوليين والجهويين بتلك الأزمة بما فيها فرنسا التي تربطها علاقة خاصة بالعالم العربي.

وتعود معالم تلك العلاقة إلى فترة حكم الجنرال شارل ديغول الذي يعده المؤلف مهندس العلاقات بين فرنسا والعرب بعد فترة جفاء طويلة بين الجانبين، بسبب حرب الجزائر والعدوان الثلاثي على مصر في 1956.

يعد الجنرال شارل ديغول مهندس السياسة العربية لفرنسا(الأوروبية-أرشيف)
يعد الجنرال شارل ديغول مهندس السياسة العربية لفرنسا(الأوروبية-أرشيف)

مصالح فرنسا
ومع ذلك فإن ديغول كان يرى أن "مصالح فرنسا وسيادتها هي التي تعلو على غيرها من الاعتبارات"، وهذا هو الثابت الأول في السياسة الفرنسية إلى جانب ثابت آخر هو احتضانها لأكبر جالية عربية في العالم وأكبر جالية يهودية في أوروبا.

وقد كانت لديغول رؤى أقرب إلى النبوءة، ففي ندوة صحفية بعد حرب 1967 قال إن "إسرائيل بصدد تنظيم الأراضي التي احتلتها ولن يتم هذا دون اضطهاد ودون قمع وطرد للسكان، وإذا لقيت مقاومة ضدها فإنه ستصفها بالإرهاب". وللأسف، فإن التاريخ لم يسمح لهذا الرجل الغيور على استقلال بلده بترسيخ انطلاقة العلاقات بين فرنسا والعرب.

وهذا ما أقدم عليه خلفه جورج بومبيدو، رغم معارضة وتواطؤ أطراف داخلية ضده، وقد تجلى ذلك في إقدام إسرائيل على تهريب سُفن حربية (كانت موجهة لها لكنها محجوزة في ميناء شيربورغ الفرنسي، بسبب حظر الأسلحة الذي قرره بومبيدو على إسرائيل). وللرئيس بومبيدو فضل تحقيق قفزة كبيرة غير مسبوقة في العلاقات التجارية بين فرنسا والعالم العربي.

القلب والعقل
أما فاليري جيسكار ديستان فقد تعلم بسرعة، على حد تعبير إنياس دال، ولم يخرج عن خط سلفيْه. فهو الذي قرر إنشاء معهد العالم العربي في باريس، وفتح مكتبا لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس. وفي هذا الصدد، قالت ليلي شهيد، التي ظلت لفترة طويلة ممثلة لفلسطين في باريس، "لم يكن جيسكار ديستان، على الإطلاق، مواليا لإسرائيل".

إنياس دال عاش حوالي عقدين في العالم العربي مراسلا صحفيا (الجزيرة)
إنياس دال عاش حوالي عقدين في العالم العربي مراسلا صحفيا (الجزيرة)

لكن الأمر بات مختلفا نوعا ما مع من خلفه، الاشتراكي فرانسوا ميتران "المؤيد، بشكل أعمى، لإسرائيل" منذ كان في المعارضة حيث طالب عام 1971 بتوزيع اللاجئين الفلسطينيين على الدول العربية.

ولما تولى سدة الحكم عام 1981 خفف من اندفاعه وأثار قضية فلسطين في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) مما أغضب ميناحيم بيغن، كما أنه تدخل مرتين لمساعدة ياسر عرفات في لبنان. ولكنه لما أخفق في الشرق الأوسط يمم وجهه شطر الاتحاد الأوروبي.

شعبوية وتسرع
أما جاك شيراك، فرغم كونه من أنصار "الجزائر الفرنسية"، فإنه يعرف جيدا الحضارة العربية. وقد اقترب من إسرائيل لاتقاء شر اللوبي الصهيوني، بتبن ناجح لقضية هجرة يهود سوريا نحو إسرائيل.

ولكن فترة حكمه انتهت بنوع من الفشل، إذ عجز عن العمل لحل قضية الصراع العربي-الإسرائيلي، لكن هالته في العالم العربي بقيت مضيئة بسبب تصرفه مع حرسه الإسرائيلي في القدس المحتلة وخطاب وزير خارجيته دومينيك دو فيلبان في الأمم المتحدة عام 2003 بشأن التدخل الدولي في العراق.

وعلى العكس منه، يرى إنياس دال أن الرئيس نيكولا ساركوزي أحدث قطيعة في سياسة فرنسا العربية بعودته إلى الحلف الأطلسي، وكان وراء حصول إسرائيل على صفة الشريك الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، احتقره اليمين الإسرائيلي وساهم في إفشال مشروعه الكبير الاتحاد المتوسطي.

أما الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، فيرى الكاتب أنه لم يتميز بأعمال وتصريحات مثيرة في سياسته العربية، بل اكتفى بزيارة البلدان المغاربية، ووقف إلى صف إسرائيل عندما شنت حربا على قطاع غزة في 2014.

المصدر : الجزيرة