يوم في حياة طبيب بغزة

متطوعون مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني (الجزيرة)
متطوعون مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يقولون إنهم رأوا زملاء لهم يموتون أثناء تأدية واجبهم الإنساني (الجزيرة)
مع أزيز الرصاص الذي ينهمر طلقة إثر أخرى يحبو الفتيان مفزوعين فوق أرض وعرة على حدود قطاع غزة مع إسرائيل طلبا للنجاة والأمان، أما الطبيبان محمد منديل وحازم شعبان فيهرولان صوب الوجهة المعاكسة إلى حيث الهرج والمرج.

ويُسمع من بعد من ينادي "طبيب"، مما يشي بأن أحدهم أصيب برصاص إسرائيلي حي.

ولطالما شاهد منديل وشعبان -وكلاهما متطوعان مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة- زملاء لهما يستشهدون في ساحة الواجب، لكنهما يرفضان التوقف عن العمل.

يقول شعبان للجزيرة "كان ثمة توتر وأعصاب مشدودة قبل الآن، لكن ما إن يبدأ الاحتجاج حتى نكون في الميدان فيتلاشى التوتر، وعندما نهرع لعلاج الناس فإن ذلك يمنحنا القوة، الجيش الإسرائيلي يظل عدوانيا على الدوام، ويكون عدوانيا هنا في غزة أكثر منه في الضفة الغربية، علينا أن نبقى متيقظين دوما".

الاحتجاج ضد الحصار الإسرائيلي على غزة تضامنا مع المتظاهرين في الضفة الغربية المحتلة في خضم موجة العنف هناك بالكاد تجاوز دقيقته الأولى عندما فتحت القوات الإسرائيلية نيران ذخيرتها الحية تجاه شبان وفتيان تجمعوا عند الحدود.

"أسرع، أسرع، أسرع"، يصرخ شعبان محاولا مساعدة متظاهر جريح لوضعه فوق نقالة ومن ثم نقله إلى سيارة إسعاف تقف رابضة على بعد خمسين مترا.

يتذكر العطال وهو متكئ على كرسيه كيف أن زميلا لهم فاضت روحه بعد أن استهدفت القوات الإسرائيلية عربة الإسعاف التي كانوا يستقلونها إبان حرب غزة في عام 2014، توفي زميله، وهو متطوع شاب -يدعى محمد- على الفور عندما أصيبت سيارتهم برصاص حي

لقد أصيب قصي أبو فارس ابن الـ15 في قدميه، وهو يتلوى ألما وينزف بغزارة، يحاول حسن العطال -وهو طبيب بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني- مداواة جروح الصبي بأسرع ما يكون داخل سيارة الإسعاف، بيد أن النزيف حاد وينطوي على خطر على الحياة.

"ما اسم عائلتك؟" يسأل العطال الصبي قبل أن ينهال عليه بجملة من الأسئلة العادية بغية إبقائه يقظا وواعيا، يسرع العطال في عمله ويخرج الضمادات من علب بلاستيكية فيما ينز الدم من جسد الصبي على ثيابه.

لقد بات هذا العمل نمطا معتادا كل جمعة عند العطال ومئات آخرين من كوادر الهلال الأحمر الفلسطيني الطبية في أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة.

ففي كل يوم جمعة يتجمع الفلسطينيون في نقاط محددة على طول حدود غزة مع إسرائيل وفي مدن وبلدات بالضفة الغربية للاحتجاج ضد الاحتلال الإسرائيلي المستمر وتداعياته على المجتمع الفلسطيني، وغالبا ما تسفر الاحتجاجات عن مواجهات عنيفة مع الجنود الإسرائيليين وقد تفضي أحيانا إلى الموت.

وفي مقابلة معه في مقر الهلال الأحمر الفلسطيني وسط غزة، قال العطال في وقت سابق من ذلك اليوم "إنهم (الجنود الإسرائيليون) لا يميزون بين الكوادر الطبية أو المحتجين أو المدنيين".

ويتذكر العطال وهو متكئ على كرسيه كيف أن زميلا لهم فاضت روحه بعد أن استهدفت القوات الإسرائيلية عربة الإسعاف التي كانوا يستقلونها إبان حرب غزة عام 2014، توفي زميله، وهو متطوع شاب -يدعى محمد- على الفور عندما أصيبت سيارتهم برصاص حي.

يقول العطال عن زميله ذاك "لم يكن يتقاضى أجرا، فقد كان متطوعا، وله ابنة صغيرة، لا توجد وظائف هنا ولا مال أو عمل، فالشبان يتطوعون ليؤدوا شيئا لفلسطين، لكن الأمل يحدوهم كذلك بأن يأتي يوم بعد سنوات قليلة يحصلون فيه على وظيفة استنادا إلى خبرتهم حتى يتسنى لهم الانطلاق في حياتهم والزواج، عليهم المجازفة بحياتهم لعلهم يجدون وظيفة".

وما إن تبدأ شمس اليوم في الغروب حتى يتفرق المحتجون بهدوء بعيدا عن الحدود وبمنأى عن الرصاص، حيث يعود كثيرون منهم أدراجهم نحو منازلهم في مخيم البريج للاجئين.

المصدر : الجزيرة