بالجزائر.. تهديد بالقضاء يواجه تهديدا بالإعلام

مدخل مقر وزارة الاتصال الجزائرية صاحبة الدعوى
وزارة الاتصال الجزائرية لم تعط الترخيص سوى لخمس قنوات من بين أكثر من أربعين قناة فضائية (الجزيرة)

هشام موفق-الجزائر

أحدثت تصريحات "نارية" من زعيم ما كان يسمى الجيش الإسلامي للإنقاذ مدني مزراق جدلا وتساؤلات عن سقف حرية التعبير في الجزائر، فبعد أن هدد في لقاء تلفزيوني بأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة "سيسمع منه كلاما لم يكن ليخطر على باله، إن لم يصحح موقفه"، هددت وزارة الاتصال بمقاضاة قناة الوطن الجزائرية الخاصة التي استضافته.

وفي حوار خاص بثته قناة الوطن، أطلق مزراق تلك التصريحات ردا على رسالة للرئيس بوتفليقة انتقد فيها الأخير ضمنيا إعلان مزراق عزمه تأسيس حزب، حيث قال مزراق بنبرة الواثق "سنقدم الملف لوزارة الداخلية، وبإذن الله ستمنحنا الاعتماد"، قبل أن يطلق التهديد.

وأعلن وزير الاتصال الجزائري حميد قرين عزم وزارته رفع دعوى قضائية "ضد قناة الوطن ومالكها"، دون ذكر صاحب التصريحات، ما دفع العديد من المراقبين للتساؤل عن مستقبل حرية الصحافة بالبلد، والتي طالما طالب الوزير نفسه بأن تكون "محترفة".

‪‬ شلي: كنا ننتظر تهنئة وشكرا من الوزارة(الجزيرة)
‪‬ شلي: كنا ننتظر تهنئة وشكرا من الوزارة(الجزيرة)

جدل قانوني
وتنشط بالجزائر أكثر من 40 قناة فضائية وعلى الإنترنت، لكن خمسا منها فقط تعمل بترخيص من وزارة الاتصال كـ"مكاتب أجنبية".

وبالرغم من أن لدى هذه القنوات عشرات الصحفيين والتقنيين والإداريين، فإنها يسري عليها ما يسري على القنوات الأجنبية بحكم تسجيلها في دول أخرى كسويسرا والأردن والبحرين.

وتغض السلطة الطرف عن الجانب القانوني لنشاط هذه القنوات التي فرضت وجودها على الأرض مذ كانت موجة الربيع العربي في أوجها، وقبل صدور القانون العضوي الخاص بالإعلام، أو حتى تنصيب المجلس الأعلى للسمعي البصري.

ورأت السلطة حينها أن هذه القنوات ستتبنى وجهة النظر الرسمية الرافضة للثورات، في ظل عجز التلفزيون الرسمي عن التكيف مع الوضع. وقد جددت الوزارة الاعتماد لنشاط خمس قنوات فقط، وليست قناة الوطن الجزائرية من بينها.

وأبدى مالك قناة الوطن جعفر شلي استغرابه من إصرار وزير الاتصال على زج اسمه في القضية، بدلا من المدير العام "إن كانت هناك قضية أصلا"، وقال للجزيرة نت "كنا ننتظر تهنئة وشكرا من الوزارة لأن البرنامج جاء بمناسبة مرور عشر سنوات على إقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي كنت ولا زلت من أشد المدافعين عنه، برغم أنني من ضحايا العشرية السوداء"، في إشارة للمواجهات بين مسلحين والحكومة خلال التسعينيات والتي فقد خلالها شقيقه.

وأضاف شلي أنه "مستهدف" بسبب انتماءاته الأيديولوجية والسياسية، معتبرا أن السلطات "تريد تكسير قناة الوطن لأنها تحافظ على قيم العائلة الجزائرية، وتفتح المجال لجميع الآراء، ولا يقبل مديرها أو أي إطاراتها توجيهات بالهاتف".

‪‬ رزاقي: يجب على الوزارة أن تتابع القناة في قضاء بلد مقرها الأصلي(الجزيرة)
‪‬ رزاقي: يجب على الوزارة أن تتابع القناة في قضاء بلد مقرها الأصلي(الجزيرة)

حرية التعبير
من جانبه، رفض رئيس سلطة ضبط السمعي البصري ميلود شرفي التعليق على الجانب السياسي للقضية أو عن علاقتها بالممارسة الصحفية، وقال للجزيرة نت إن "الوزير أعلن نيته متابعة القناة، ونحن بدورنا وجهنا إنذارا لها، وتعهد صاحب القناة في رسالة توضيح لنا أنه سيلتزم بتجنب مثل هذه القنوات مستقبلا".

وردا على سؤال عن إمكانية متابعة "قناة أجنبية" لا اعتماد لها في القضاء الجزائري، قال إن "هذه القنوات مسيرة بالقانون الأجنبي".

ورأى الصحفي وعضو اللجنة المركزية لفدرالية الصحفيين الجزائريين عبد اللطيف بلقايم أن خطوة السلطة هذه "تضرب حرية التعبير بالجزائر في الصميم"، معتبرا أن السلطة لم تتجرأ على مساءلة صاحب التصريحات، فتغوّلت على القناة لأنها تعلم أن الصحافة هي الطرف الأضعف في المعادلة، حسب رأيه.

أما أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر عبد العالي رزاقي فعلق متهكما بقوله إن السلطة "خافت مسلحا سابقا فتركته، وتتابع قضائيا قناة بثت رأيا في مسألة".

واستغرب كيف يعلن وزير دولة إجراء قانونيا بالجزائر على قناة غير معتمدة، بينما عليه أن يتابعها في قضاء بلد مقرها الأصلي (الأردن).

المصدر : الجزيرة