جسر الزرقاء.. واقع يحاكي نكبة فلسطين

مئات الدونمات للأهالي من جهة البحر يحظر على أصحابها استعمالها

undefined

محمد محسن وتد-جسر الزرقاء

تتواصل فصول النكبة في قرية جسر الزرقاء بالداخل الفلسطيني، تلك القرية الوحيدة التي أبقتها العصابات اليهودية على شاطئ البحر ولم تشرد أهلها، وإن كانت تحمل في طياتها جوهر القضية الفلسطينية بكل مركباتها من نكبة وتشريد ولجوء ومصادرة أراض واستيطان وتضييق بالجدران، وذلك مقابل الرفاهية وتوفير الموارد والأجواء والظروف الحياتية للإسرائيلي، وكل مهاجر جديد يتم استقدامه إلى "بلاد العسل واللبن".

ويرمز واقع القرية بكل التحديات والتناقضات إلى حيثيات النكبة وجوهر الصراع وحالة الانقسام التي تعصف بالقضية الفلسطينية في ظل مشروع مفاوضات السلام بمسعى لإنهاء الصراع.

ويقطن القرية التي كانت تضم عند النكبة 12 ألف دونم -صودرت غالبيتها للاستيطان- قرابة عشرة آلاف نسمة بحوالي 2200 وحدة سكنية على بقعة أرض لا تتعدى مساحتها ستمائة دونم، بالإضافة إلى تسعمائة دونم حول منها الاحتلال خمسمائة دونم لمنطقة طبيعية وأربعمائة دونم متاخمة لشاطئ البحر تحظر السلطات الإسرائيلية على أصحابها استعمالها وتمتنع عن تطويرها.

وبسبب مصادرة غالبية أراضي القرية والتضييق على أهلها، وجدت المئات من العائلات والأزواج الشابة نفسها مضطرة لهجر القرية التي هي بحاجة لحوالي ثمانمائة دونم للبناء لتلبية الاحتياجات الفورية للعائلات بالمسكن.

‪الحاج خليل يحاول محاورة جيرانه اليهود وإطلاعهم على سياسة التمييز العنصري التي يعاني منها الأهالي في قريته‬ الحاج خليل يحاول محاورة جيرانه اليهود وإطلاعهم على سياسة التمييز العنصري التي يعاني منها الأهالي في قريته (الجزيرة)
‪الحاج خليل يحاول محاورة جيرانه اليهود وإطلاعهم على سياسة التمييز العنصري التي يعاني منها الأهالي في قريته‬ الحاج خليل يحاول محاورة جيرانه اليهود وإطلاعهم على سياسة التمييز العنصري التي يعاني منها الأهالي في قريته (الجزيرة)

نكبة وصمود
يقول رئيس قرية الصيادين الحاج خليل جربان الذي كان يبلغ عند النكبة 15 عاما، إن حكاية القرية التي بقيت صامدة على ساحل البحر تلخص لب القضية الفلسطينية بمختلف تعقيداتها وتداعياتها، حيث ما زال يتذكر مشاهد النكبة واللجوء بل يعاني من الشتات ويتوق إلى لمِّ الشمل، فأبناء عمومته ممن التحقوا بركب الثورة والمقاومة شردوا وهم يقطنون في مخيمات اللجوء بلبنان والأردن.

ويسعى الحاج خليل المتزوج من الحاجة سهام ولهما 11 ولدا ويسكن مع خمسة من أولاده المتزوجين في خمس شقق سكنية لا تتعدى مساحة الشقة الواحدة منها مائة متر مربع، كغيره من الأهالي إلى محاورة الجيران اليهود وإطلاعهم على سياسة التمييز العنصري التي يعاني منها الأهالي جراء اعتماد دولة إسرائيل سياسة التفرقة والتهميش تجاههم، جاهدا في إقناعهم بضرورة تسوية النزاع وإنهاء معاناة سكان القرية المتواصلة منذ النكبة.

وقال للجزيرة نت إن جوهر الصراع مع المؤسسة الإسرائيلية يحتدم بالأزقة والأحياء السكنية بالقرية التي هي أشبه بمخيم لاجئين، خاصة أن الأرض التي حرمت منها القرية وظفت لتوسيع وتطوير البلدات اليهودية المتاخمة، ولعل أبرزها بلدة قيساريا التي تقطنها النخب السياسية وأصحاب اتخاذ القرار في إسرائيل والقيادة العسكرية ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يرفض المفاوضات والحوار.

وبين أن نتنياهو يمتنع عن زيارة القرية وجيرانه للاستماع لمطالبهم والاطلاع على الواقع المزري الذي يعيشونه، واختار إقامة جدار ترابي فاصل لمحاولة عزل القرية وحجب معاناتها وواقعها المرير والصورة القاتمة التي تسببت بها القيادات الإسرائيلية المتعاقبة.

ويكتفي نتنياهو بين الحين والآخر بانتداب ممثلين عنه للقرية لإطلاق الوعود الفارغة بهدف امتصاص الغضب الشعبي المرشح للانفجار في أي لحظة.

‪‬ العلي: يعيش نحو 80% من سكان القرية تحت خط الفقر، مما ساهم في تفشي الجريمة(الجزيرة)
‪‬ العلي: يعيش نحو 80% من سكان القرية تحت خط الفقر، مما ساهم في تفشي الجريمة(الجزيرة)

صراعات وتناقضات
وظلت القرية تعيش القضية الفلسطينية بهواجسها وتاريخها وتراثها، واقعا مرا، كأنما تحافظ عليها من الاندثار.

يقول رئيس اللجنة الشعبية سامي العلي إن جمعية "بسملة" أطلقت مشروعا للحفاظ على التراث والحضارة والتاريخ يهدف لتوعية الشباب بالواقع وما يحمل في ثناياه من تناقضات وصراعات عبر السرد التاريخي لما حل بالقرية، مع التذكير من خلال فعاليات ثقافية وفنية وتربوية بالجذور والوطن.

وسرد العلي للجزيرة نت ما صنعته سياسات التهميش والإقصاء التي اعتمدتها المؤسسة الإسرائيلية تجاه القرية وسكانها في الواقع الاقتصادي والاجتماعي المزري الذي تغرق فيه القرية من تفشي بطالة تجاوزت 40%، مما ساهم في تعميق الفقر، حيث يعيش نحو 80% من سكان القرية تحت خط الفقر، مما ساهم في تفشي الجريمة التي تخطت نسبتها أكثر من 30%.

ولفت إلى أن قرابة 1200 عائلة من أصل 2200 عائلة تقطن القرية وجدت نفسها مضطرة للعلاج والرقابة للحصول على خدمات الرفاه الاجتماعي، حيث يعاني أفرادها الفقر والجنوح والتسرب من المدارس، إذ إن نسبة النجاح في امتحانات التوجيهي لا تتعدى 20% ونسبة الأكاديميين تقترب من 3% لتتربع القرية على أسفل السلم الاجتماعي الاقتصادي بإسرائيل.

وشدد على أهمية توعية جمهور الشباب بضرورة ترسيخ حق البقاء والتجذر في الأرض والمكان وتعزيز صمود الأهالي قبالة مشاريع التضييق والإهمال المتواصل للقرية وسياسية التمييز العنصري والإجحاف من قبل المؤسسة الإسرائيلية التي تعتمد سياسة "الترانسفير" الخفي والهجرة الطوعية من القرية من قبل الأزواج الشابة.

المصدر : الجزيرة