نزوح متواصل من شمال مالي

حركة نزوح شديدة على الطريق الرابط بين موريتانيا وتمبكتو.
undefined

أمين محمد-شمال مالي

مع اشتداد وطأة الحرب أكثر فأكثر على سكان شمال مالي، يترقب العرب والطوارق الأسوأ باعتبار أنهم من سيدفع الفاتورة الأكبر في المحطة الحالية من هذه الحرب، بعد أن تقاسموا ضريبتها الباهظة مع أشقائهم وجيرانهم الزنوج من البمباره والسونغو والفلان.

فعلى طول الطريق الرابط بين مدينة باسكنو الموريتانية ومدينة تمبكتو المالية، كانت قوافل النزوح وأرتال السيارات تقل مئات اللاجئين الجدد الذين سينضمون إلى نحو 60 ألف لاجئ يحتضنهم التراب الموريتاني منذ بداية العام الماضي.

كما أضحت عشرات القرى المنتشرة في المنطقة الفاصلة بين الحدود الموريتانية ومدينة تمبكتو في شمال مالي خاوية إلا من أطلال مهجورة وبيوت خربة وأقفال صدئة. وحدهم بعض مربي الماشية ما زالوا يحفظون العهد ويتمسكون بالديار ويتجاهلون ما يحيط بهم من ظروف وإكراهات.

‪مئات اللاجئين الماليين الجدد سينضمون إلى 60 ألف لاجئ تحتضنهم موريتانيا‬ (الجزيرة)
‪مئات اللاجئين الماليين الجدد سينضمون إلى 60 ألف لاجئ تحتضنهم موريتانيا‬ (الجزيرة)

أمثلة حية
وتعتبر مدينة لرنب ذات الغالبية العربية والتي تبعد نحو 60 كلم من الحدود الموريتانية، إحدى أبرز الأمثلة على الوضع الجديد في شمال مالي، فقد هجرها أغلب سكانها، وبقي فيها عدد محدود من الشباب ومربي الماشية يشكون سوء الحال وقلة المال وضغط الظروف، ويعانون أزمة عطش حادة بعد أن توقفت البئر الارتوازية التي كانت توفر السقاية للسكان ومواشيهم.

أما قرية أراتن ذات الغالبية الطوارقية التي تعودنا على التوقف فيها في رحلاتنا السابقة إلى شمال مالي، فلم نجد فيها هذه المرة من أحد، وقيل لنا إن من كان هناك غادر في الأيام الماضية إلى موريتانيا.

عابرات للصحراء وشاحنات كبيرة وحتى دراجات وعربات حمير هي وسائل النقل التي يستغلها السكان للهرب مما يخافونه، وما يخافه السكان هناك متعدد ومركب.

بعضهم أكد لنا أن القصف الفرنسي وما قد ينجر عنه من إصابات ودمار في صفوف السكان، هو ما دفعهم إلى الهروب بعيدا عن الديار والأوطان، بينما أعرب آخرون عن خشيتهم من إغلاق الحدود بين موريتانيا وشمال مالي إذا ما تطورت الأمور نحو مزيد من الخراب.

‪(الجزيرة نت)‬ الكثير من النازحين يخشون أعمالا انتقامية
‪(الجزيرة نت)‬ الكثير من النازحين يخشون أعمالا انتقامية

مخاوف شتى
من جانب آخر يخشى الكثيرون منهم أعمالا انتقامية بعد جلاء السلفيين وقدوم القوات المالية، وسط انتشار واسع لأنباء تتحدث عن استعداد ما يعرف بعصابات متهمة بارتكاب مجازر وحشية في صفوف البيض من الطوارق والعرب خلال الحروب التي عاشتها المنطقة في العقدين الماضيين، لإعادة الكرة وتنفيذ أعمال انتقامية ضد البيض.

ويبدو الطريق الطويل بين باسكنو وتمبكتو (نحو 400 كلم) سالكا رغم وعورته وصعوبته، فقوافل اللاجئين تتوالى، وكذا قوافل الهاربين من جحيم القصف الفرنسي، والخائفين من فتنة ذات طابع عرقي بدأت تطل برأسها، على الأقل من خلال الشائعات والأحاديث المتداولة في صفوف السكان.

السيارة الوحيدة التي كانت تسير في الاتجاه المعاكس -أي باتجاه مدينة تمبكتو- كانت لأحد السكان العرب.. قال لنا إنه عائد لنقل ما تبقى من أهله وذويه في المدينة بعد أن هجر أغلبهم بعيدا عن المدينة الصحراوية المثيرة للاهتمام.

ورغم أن غالبية النازحين الذين التقيناهم هم من الرجال والنساء والعجزة، فإن إحدى السيارات مثلث نشازا حيث كانت تقل -على ما يبدو- عريسين فضلا أن يكملا أيام عرسهما الأولى، ويقضيا ما تبقى لهما من شهر العسل في مخيم فصالة الموريتاني بعيدا عن القصف الفرنسي.

ورغم أن مخيم فصالة ليس من أفضل المنتجعات الشتوية لقضاء شهور العسل، فإنه يبقى من أمثل الخيارات المتاحة لعرسان شمال مالي، فضلا عن أن اسم فصالة -كما يقول أحدهم- ليس أفضل ما يتيمّن به عروسان يرغبان أن "يجمع" الله شملهما بخير.

المصدر : الجزيرة