متحف تاريخي في منزل فلسطيني

منتصر صلاح يقيم متحفه في منزله وويرده زوار كثيرون من داخل القرية وخارجها وحتى الاجانب- الجزيرة نت9

متحف
متحف "فلسطين التاريخي" يستقبل الزوار من المواطنين والأجانب (الجزيرة نت)

عاطف دغلس-نابلس

ما إن تطأ قدمك منزل المواطن منتصر صلاح في قرية برقة (غرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية) حتى ترى مفاتيح وضعت يمنة ويسرة وكأنها "أجراس لقرع باب"، تحمل في طياتها قصصا وحكايات، مثل أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية وتراثية في منزله.

ففي منزل صلاح أو "أبو الخير" كما يسميه أهالي قريته، متحف فلسطيني قل نظيره، استطاع عبر أكثر من ثلاثين عاما -في مهمة تلقاها عن والده وشقيقه- جمع قطعه المختلفة في حجمها وشكلها ومضمونها وحتى مصدرها.

وحكاية هذه المفاتيح تكمن في ما ترمز إليه من قصص اللجوء الفلسطيني –كما يقول صلاح- وإن "إبقاءها يؤكد أن الأمل بالعودة إلى الأرض والوطن لم يغب يوما عن باله وبال عائلته كما هو حال الفلسطينيين جميعا".

منتصر صلاح يواصل مهمة اقتناء القطع الاثرية للحفاظ على التراث الفلسطيني
منتصر صلاح يواصل مهمة اقتناء القطع الاثرية للحفاظ على التراث الفلسطيني

بداية الحكاية
وأضاف أن قصة اقتناء هذا المتحف بدأت مع والده قبل ثلاثة عقود بجمع هذه القطع كنوع من الحفاظ على التراث الفلسطيني، باعتباره مناضلا فلسطينيا ضد الاحتلال ومن المنضوين تحت راية "جيش الإنقاذ العربي" الذي تشكل لحماية فلسطين وأرضها.

وهذا الأمر حوّل مسألة جمع القطع الأثرية والتراثية إلى مهمة تاريخية وقعت على عاتق أخيه الأكبر عقب وفاة والده، إلا أن الاعتقال المتكرر لشقيقه حال دون أن يكمل مهمته، فتابع منتصر المشوار ونجح في جمع آلاف القطع الأثرية وتخليد تراثه.

ومع كل قطعة كان يجمعها، عمد منتصر إلى معرفة حكايتها، فما إن يدخل الزائر إلى متحفه حتى يبدأ بسرد قصص مختلفة عن ما فيه، مضفيا إليها نوعا من التشويق والإثارة التي جعلت من الزوار يتهافتون على منزله، ليس فقط من أهالي القرية، بل من مناطق فلسطينية مختلفة، إضافة لللزائرين الأجانب.

ويتميز "متحف فلسطين التاريخي" كما أطلق عليه "أبو الخير"، باحتوائه على قطع أثرية يزيد عمرها عن أربعة آلاف عام، وأخرى تصل إلى مئات السنين، إضافة لفلسطينية معظمها سواء من حيث التصنيع أو الاستخدام.

وتتنوع المعروضات بين الفخاريات والآنية الزجاجية، إضافة لأدوات الطعام والشراب، وحتى أدوات الزينة من الأقمشة وغيرها من اللوحات الفنية والرسومات.

وحتى إن صلاح استطاع جمع بعض الأدوات الحربية من تلك التي استخدمت في قمع الفلسطينيين على يد الاحتلالين البريطاني والإسرائيلي.

كما يحوي المتحف مكتبة للكتب القديمة، وأوراقا رسمية لممتلكات لفلسطينيين، ووثائق أخرى وجدت في حينها لتنظم حياة الناس وأعمالهم، كوثيقة خاصة بنقابة الحراثين الفلسطينيين يعود تاريخها لقرابة ثلاثة قرون.

وهذا يدل –حسب رأيه- على مدى اهتمام الفلسطينيين بأرضهم عبر العصور المختلفة، وأنها كانت مصدر رزقهم وعيشهم.

لوحة فنية تكسي إحدى جدران المتحف
لوحة فنية تكسي إحدى جدران المتحف

روح الوطنية
ويهدف منتصر عبر جمعه هذه المقتنيات إلى زرع الروح الوطنية والاهتمام بالتراث الفلسطيني عند الفلسطينيين، ويعتبر أن ما يقوم به هو نوع من "أهم أنواع النضال".

كما يسعى للتأكيد على أن الفلسطينيين كانوا ولا يزالون أصحاب التاريخ والأرض والتراث، وأن "الدخلاء" هم اليهود.

ويعرض صلاح في متحفه وثائق تعود إلى 1921 تثبت أن عدد اليهود الذين كانوا يعيشون في شمال الضفة الغربية في ذلك الحين –على سبيل المثال- لا يتجاوز عشرة أشخاص فقط، وأنهم قلة كذلك في الأماكن الأخرى، وأوراق أخرى تؤكد مساعيهم الدائمة لتزوير التاريخ وسرقة الأرض.

ولا يكتفي "أبو الخير" بزيارة المواطنين لمتحفه، بل يسعى لإيصال رسالته عبر هذا المتحف إلى كل فلسطيني أينما وجد، فشارك في أكثر من ستين معرضا للتراث والثقافة نظمت بأكثر من مكان بالضفة الغربية.

ورغم أن منتصر يملك "ثروة" كبيرة لاقتنائه مثل هذه القطع -التي لا يستطيع إظهارها جميعا لاعتبارات عده أهمها الاحتلال- فإن حاجته للدعم الرسمي ماديا ومعنويا لا يمكن إسقاطها، ولا سيما أنه يحافظ على جزء مهم من تاريخ الشعب الفلسطيني وأدواته.

المصدر : الجزيرة