محطات في حكم القذافي

Libyan leader Muammar Gaddafi speaks during a ceremony to mark the 40th anniversary of the evacuation of American military bases in the country, in Tripoli,


عوض الرجوب

بدأ طموح الزعيم الليبي معمر محمد أبو منيار القذافي، المولود في مدينة سرت الليبية عام 1942، في القيادة مبكرا حيث طرد من مدرسته بسبب نشاطه السياسي ومحاولة تأسيس حزب خلال الدراسة.

ولدى بلوغه الثانية والعشرين من العمر، أعلن وبمشاركة ضباط آخرين في الجيش الليبي ما تسمى "مجموعة الضباط الوحدويين الأحرار" وذلك عام 1964، وقد لعبت هذه المجموعة دورا جوهريا في الانقلاب الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي في الأول من سبتمبر/أيلول 1969.

ورغم أن الزعيم الليبي لا يعتبر نفسه رئيسا ويصر على وصف نفسه بقائد الثورة، فإنه يسيطر على مفاصل الدولة، ووزع أبرز المناصب على مقربيه من أبنائه وأقاربه وأصهاره وخاصة الأجهزة الأمنية.

ما بعد الثورة
في عام 1969 أعلن القذافي بيان ثورة الفاتح من سبتمبر مؤكدا أنه ينفذ إرادة الشعب الحرة. وأضاف أن "السلطة للشعب ولا سلطة لسواه، ويمارس الشعب سلطته عن طريق المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية والنقابات والاتحادات والروابط المهنية ومؤتمر الشعب العام".

لا يؤمن القذافي بأنظمة الحكم الحديثة، ولا يعترف بالأحزاب، بل يساويها بالدكتاتورية. وسعى لإيجاد بديل كوني لأنظمة الحكم الموجودة، فبدأ يطرح نظرية سياسية تقوم على سلطة الشعب عن طريق الديمقراطية المباشرة من خلال "المؤتمرات الشعبية الأساسية" كأداة للتشريع و"اللجان الشعبية" كأداة للتنفيذ.

وفي عام 1976 أصدر كتابا سماه "الكتاب الأخضر" ووضع فيه خلاصة أفكاره، وانتهى إلى ما سماها النظرية العالمية الثالثة للحكم بعد النظريتين الماركسية والرأسمالية، وهو ما يسميه "إسناد الحكم للجماهير الشعبية" من خلال الشعبيات واللجان الشعبية.

ويرى في الكتاب الأخضر أن "الحزب هو الدكتاتورية العصرية" وأن "المؤتمرات الشعبية هي الوسيلة الوحيدة للديمقراطية الشعبية، وأي نظام للحكم خلافاً لهذا الأسلوب، أسلوب المؤتمرات الشعبية، هو نظام حكم غير ديمقراطي".

وفي مارس/آذار 1977 أعلن القذافي "قيام سلطة الشعب"، فحول اسم ليبيا إلى "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية". وقال إن "السلطة الشعبية المباشرة هي أساس النظام السياسي في الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية".

وحدة ومواقف
منذ توليه الحكم قبل 42 عاما، ركز الزعيم الليبي على محاولات تعزيز الوحدة العربية، وتشكيل تكتلات عربية مع دول أخرى، لكنها جميعها باءت بالفشل، فتوجه نحو أفريقيا معتبرا إياها بديلا لعمقه العربي.

وبدأ الزعيم محاولات الوحدة مع جيرانه، وطرق أبوابا أبعد مثل سوريا. ومن أبزر محاولاته: محاولة إنشاء اتحاد الجمهوريات العربية مع مصر والسودان عام 1969، والوحدة ما بين مصر وليبيا عام 1973، وتجربة الوحدة مع تونس من خلال "الجمهورية العربية الإسلامية" عام 1974، والوحدة الاندماجية بين سوريا وليبيا عام 1980.

وبعد فشل محاولات الوحدة العربية، لجأ إلى أفريقيا وبذل جهودا حثيثة لتطوير منظمة الوحدة الأفريقية وتحويلها إلى الاتحاد الأفريقي، وهو ما نجح فيه بالفعل في قمة سرت للقادة الأفارقة التي عقدت في التاسع من سبتمبر/أيلول 1999.

العلاقة مع الغرب
وقد شهدت فترة حكمه توترا في العلاقات الليبية الأميركية، وصل ذروته عندما قصفت الطائرات الأميركية مقره صيف 1986.

وفي عام 1988 اتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا ليبيا بتدبير سقوط طائرة شركة الخطوط الجوية الأميركية بان أميركان فوق بلدة لوكربي في أسكتلندا في نفس العام، مما تسبب في أزمة مع البلدين أدت إلى فرض حصار اقتصادي على ليبيا، ثم سويت القضية بتعويض ذوي الضحايا وتسليم المتهمين عام 2003.

وفي نفس العام أعلن القذافي تفكيك برنامجه النووي وسلم جميع الوثائق والمعدات والمعلومات للولايات المتحدة الأميركية، ونتيجة للسياسة الجديدة للقذافي قام مجلس الأمن في عام 2003 برفع العقوبات المفروضة على ليبيا.

الحديد والنار
يقول خصوم القذافي إنه حكم ليبيا بالحديد والنار، وتجلى ذلك في سجن بوسليم عام 1996 حيث قتل أكثر من 1200 سجين رميا بالرصاص، كما منع تشكيل الأحزاب السياسية واعتقل كثيرا من الإسلاميين من جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية الجهادية.

وبقيت ليبيا بعيدة عن الإصلاحات السياسية لفترة طويلة، لكنها بدأت المشوار بخطى بطيئة بعد بزوغ نجم سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي خلال السنوات الأخيرة، فبدأ نشاطاته في ظل مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية.

ونجح القذافي الابن في إعادة كثير من المعارضين الليبيين من الخارج إلى ليبيا، كما نجحت وساطته في الإفراج عن كثير من الإسلاميين من السجون الليبية.

وفي تقريرها الصادر في 2010 أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش بأن تطورات هامة حدثت في ليبيا عام 2009، منها "التعديل المُقترح على قانون العقوبات، وإقرار المسؤولين بوفاة مئات الأشخاص المختفين في عام 1996".

لكنها أكدت أن الحكومة مستمرة في حبس الأفراد جراء انتقاد النظام السياسي الليبي أو زعيمه معمر القذافي، وتفرض قيوداً مشددة على حرية التجمع والتعبير بما في ذلك أحكام في قانون العقوبات تجرم "إهانة المسؤولين العامين".

قضايا جدلية
طرح القذافي خلال فترة حكمه العديد من القضايا الجدلية، فداخليا تخلى عن التقويم الهجري وتبنى تقويما يبدأ بوفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

أما خارجيا فاقترح تأسيس دولة واحدة للعرب واليهود تحمل اسم "إسراطين"، ودعّم حركات تمرد وحركات انفصالية وأخرى تحررية، بينها حركة الباسك في إسبانيا والجيش الجمهوري الأيرلندي والبوليساريو والحركات الفلسطينية الثورية، لكن علاقته مع الأخيرة تراجعت بعد اتهامه بالتآمر في اغتيال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي أواخر 1995.

كما لعب الزعيم الليبي أدوارا علنية وأخرى وصفت بالخفية تجاه عدد كبير من الدول الأفريقية، وساعد في انقلابات وثورات محلية، وخاصة متمردي جنوب السودان.

المصدر : الجزيرة