انتخابات المغرب بين المقاطعة والمشاركة

جانب من المظاهرة الحاشدة التي عرفتها مدينة طنجة يوم 20 نوفمبر 2011 وهي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية

جانب من مظاهرة حاشدة بمدينة طنجة المغربية تدعو لمقاطعة الانتخابات (الجزيرة نت)

خرجت عشرات المظاهرات أمس الأحد في عدة مدن مغربية مثل طنجة والرباط والدار البيضاء ومراكش والناظور وأكادير وغيرها، للمطالبة بمقاطعة الانتخابات التشريعية التي ستجري يوم الجمعة القادم لاختيار أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 395.

وأكدت مصادر -للجزيرة نت- أن مظاهرة طنجة، التي جابت أكثر من تسعة كيلومترات وخرج فيها أكثر من مائة ألف، تعاطف معها سكان المدينة بسبب التعبئة الناجحة التي قامت بها طيلة أكثر من أسبوع حركة 20 فبراير التي تطالب بإصلاحات جذرية وعميقة.

وفي العاصمة الرباط، لم تثن الأمطار الغزيرة خروج الآلاف من أنصار حركة 20 فبراير في مظاهرة حاشدة رددوا خلالها شعارات تنادي بحل الحكومة وتغيير الدستور ومحاربة ناهبي المال العام وإسقاط ما أسموه "المخزن" (تعني القائمين على الشأن العام المغربي).


وبالرغم من أن السلطات المغربية شنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف دعاة مقاطعة الانتخابات في الأسابيع الأخيرة لإحباط مظاهرات الأحد، إلا أن حجم المشاركة فيها كانت لافتة للأنظار مقارنة بالمسيرات الاحتجاجية التي نظمت بعد الاستفتاء الدستوري الأخير.


حركة 20 فبراير تطالب بالاستجابة لأصوات التغيير قبل فرز الأصوات (الجزيرة نت)
حركة 20 فبراير تطالب بالاستجابة لأصوات التغيير قبل فرز الأصوات (الجزيرة نت)

منطق المقاطعة
وفي تصريح للجزيرة نت، قال عضو تنسيقية حركة 20 فبراير بالعاصمة الرباط أمين بلعولة إن مسيرات الأحد كانت ناجحة وشهدت إقبالا مكثفا عبّر فيه المواطنون بشكل حضاري عن رفضهم لما أسماه بـ"مهزلة الانتخابات" التي "لن ينبثق عنها إلا التزوير والفساد".


وبرر بلعولة مقاطعة حركته للانتخابات بأنها ستعيد مرة أخرى رموز الفساد إلى الواجهة عبر صناديق الاقتراع، ومن خلال دستور ما زال يجمع "كل السلطة في يد واحدة هي يد الملك محمد السادس".

وأكد عضو تنسيقية الرباط أن الاحتجاجات ستطول في المغرب ما دام النظام المغربي لم يستجب لمطالب حركة 20 فبراير، المتمثلة في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ومحاكمة المفسدين وإسقاط الاستبداد.


وليست وحدها حركة 20 فبراير التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، بل هناك أحزاب سياسية أخرى تساندها مثل حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب النهج الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد وجماعة العدل والإحسان المحظورة وبعض الأحزاب الإسلامية الأخرى، وإن كان خصومهم السياسيون ينعتون هذه التنظيمات بأنها "أقلية وعدمية".


وقد أصدرت هذه التنظيمات وثائق تبرز فيها أن من بين الأسباب التي دعتها إلى مقاطعة الانتخابات هي أن هذه الأخيرة لا تشرف عليها هيئة مستقلة، وأن وزارة الداخلية تهيمن على العملية من أولها إلى آخرها.


حركة 20 فبراير تعتبر الانتخابات التشريعية مهزلة تجب مقاطعتها (الجزيرة نت)
حركة 20 فبراير تعتبر الانتخابات التشريعية مهزلة تجب مقاطعتها (الجزيرة نت)

منطق المشاركة
ويخيم هاجس العزوف السياسي على صانعي القرار بالمغرب خوفا من تكرار تجربة انتخابات 2007 التي كانت فيها نسبة المشاركة متدنية جدا (حوالي 37% حسب التقديرات المتفائلة)، مما دفع وزارة الداخلية المغربية هذه الأيام إلى تنظيم حملة دعائية واسعة حشدت فيها وسائل الإعلام العمومية ونصبت فيها الملصقات الإعلانية واللافتات في الشوارع من أجل حث الناس على المشاركة بكثافة.


ويستبد خوف المقاطعة بالأحزاب السياسية أيضا، فإلى جانب قيام المرشحين بحملاتهم الانتخابية يوجهون نداءات في كل مناسبة إلى الناس من أجل الذهاب إلى صناديق الاقتراع، محاولين إقناع الناس بمنطق المشاركة الذي يحمي البلاد من السقوط في الهاوية.


وقال الأمين العام لحزب الحركة الشعبية امحند العنصر في تجمع خطابي نظمه الجمعة الماضي بمدينة بني ملال، إن التغيير لا يمكن أن يتم بالخروج إلى الشارع، ووصف النداءات المطالبة بمقاطعة الانتخابات بـ"العدمية".


وتدارس رئيس الحكومة المغربية الحالي عباس الفاسي في وقت سابق مع الأحزاب المشاركة في الانتخابات مشكلة العزوف السياسي الذي بات يهدد المحطة الاستحقاقية القادمة، إلى درجة التفكير في تنظيم مسيرات وطنية لإقناع المواطنين بضرورة المشاركة.


ووجد المجلس الوطني لحقوق الإنسان (هيئة حقوقية من مهامها أيضا مراقبة الانتخابات) نفسه معنيا بهذه القضية، فأصدر بيانا نهاية الأسبوع يدعو المواطنين المغاربة إلى المشاركة المكثفة في اقتراع 25 نوفمبر/تشرين الثاني، معتبرا أن التصويت حق شخصي وواجب وطني وفعل مواطن.


وتباينت مواقف الإسلاميين أيضا حول الانتخابات القادمة، فبينما أصدرت العدل والإحسان وثيقة تدعو فيها إلى المقاطعة، وجهت حركة التوحيد والإصلاح (تدعم حزب العدالة والتنمية المشارك في الانتخابات) نداء سابقا تعتبر التصويت "شهادة لا تكتم، وإذا دُعي لها المسلم لا يمتنع، والعمل السياسي هو باب من أبواب المعروف".


وسيكون يوم الجمعة القادم يوما حاسما في تاريخ المغرب واختبارا حقيقيا لمسلسل الإصلاحات التي بدأها المغرب ومدى صلابتها أمام رياح التغيير العاتية التي تهب على العالم العربي، ونجاح دعاة المقاطعة في مسعاهم تعني في قاموس السياسيين المغاربة بث الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل.

المصدر : الجزيرة