حوادث القتل الجماعي.. صدمة اعتاد عليها الأميركيون وهذه المرة في تكساس

أقر الدستور الأميركي قانون حيازة السلاح باعتبار أن هذا الأمر حق للمواطنين، لتصبح الولايات المتحدة الدولة الصناعية الوحيدة في العالم التي تسمح لمواطنيها بحمل السلاح في الشوارع، وهو أمر متجذر في الثقافة الأميركية

حافلة مدرسية وحراسة أمنية بالقرب من مدرسة روب الابتدائية في أوفالدي بتكساس حيث قتل 21 شخصا بينهم أطفال (رويترز)

واشنطن- في واحد من أعنف حوادث القتل الجماعي التي اعتاد عليها الأميركيون أقدم شاب بلغ 18 عاما منذ أيام على إطلاق النار داخل مدرسة روب الابتدائية بمدينة أوفالدي جنوب ولاية تكساس أمس الثلاثاء، وقتل 21 شخصا، منهم 19 طفلا لا تزيد أعمارهم على 9 سنوات.

وتقع مدينة أوفالدي على بعد 75 ميلا من الحدود المكسيكية الأميركية، ويقطنها 15 ألف نسمة، منهم 78% من ذوي الأصول اللاتينية، وأغلبهم من المكسيك، ولم تُعرف بعد دوافع الشاب سلفاردور راموس لارتكاب هذه الجريمة البشعة.

جاءت هذه الحادثة بعد 10 أيام فقط من قيام شاب أبيض بقتل 10 متسوقين من السود في متجر بشمال ولاية نيويورك.

وقبل 10 سنوات شهدت مدرسة ساندي هوك الابتدائية بولاية كونيتيكت واحدة من أبشع جرائم القتل الجماعي، حيث قتل شاب مسلح 26 شخصا، منهم 20 تلميذا أعمارهم أقل من 8 سنوات.

أثارت حادثة المدرسة في تكساس الجدل من جديد حول نفوذ شركات تجارة الأسلحة النارية في الولايات المتحدة (رويترز)

جدل متجدد

وكالعادة عقب وقوع هذه الحوادث تشهد الولايات المتحدة الجدل ذاته وتتخذ نفس الإجراءات التقليدية، حيث أمر الرئيس جو بايدن بتنكيس الأعلام فوق المباني الحكومية لمدة 3 أيام حدادا على الضحايا، فيما بدأت حرب كلامية بين الجمهوريين والديمقراطيين حول المسؤولية عن وقوع هذه الحوادث، وسط تذكير المواطنين الأميركيين بقوة ونفوذ لوبيات شركات الأسلحة النارية.

وفي كلمة عاطفية للشعب الأميركي، قال بايدن إنه "يشعر بالاشمئزاز والتعب من استمرار حوادث إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة"، ودعا إلى "الشجاعة في مواجهة لوبيات شركات الأسلحة، وتحويل الآلام إلى عمل لإقرار قوانين منطقية في ما يخص بيعها".

لوبي شديد القوة

تبعد مدينة أوفالدي 280 ميلا عن مدينة هيوستن بولاية تكساس، والتي تستضيف بين 27 و29 مايو/أيار الجاري المؤتمر السنوي لمنظمة الرابطة الوطنية للأسلحة "إن آر إيه" (NRA) التي تعد تجمعا لشركات الأسلحة النارية الأميركية ذات النفوذ الطاغي في الدوائر الجمهورية والمحافظة، وحتى بين بعض الديمقراطيين.

ووقعت الحادثة الأخيرة قبل يومين من بدء فعاليات المؤتمر الأهم للوبيات شركات الأسلحة، والذي ينتظر أن يشهد مشاركة حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت وسيناتور الولاية تيد كروز، إضافة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب.

ووفقا لموقع الرابطة على الإنترنت، فإن ترامب سيتصدر مشاركة "مجموعة من النجوم من ذوي الوزن السياسي الثقيل".

وقبل ساعات من حادثة تكساس طالبت الرابطة أعضاءها بالمشاركة في مؤتمرها السنوي، وقالت في بيان لها أرفق بصورة لترامب "أعضاء إن آر إيه متحمسون لسماعه يتحدث، ويشكرونه على دعمه لحقنا في الاحتفاظ بالسلاح وحمله".

وغردت الرابطة أول أمس الاثنين قائلة "لم تتبق سوى بضعة أيام حتى يتحدث الرئيس ترامب في الاجتماع السنوي وللمرة السادسة، استمع إلى ترامب يوم الجمعة 27 مايو الساعة الثانية مساء في هيوستن، تكساس..".

تجدد الخلاف وغياب أي أفق للحل

أحصت الولايات المتحدة مقتل أكثر من 43 ألف شخص بالأسلحة النارية عام 2002 وفقا لبيانات مكتب التحقيقات الفدرالي، ويختلف المسؤولون الجمهوريون والديمقراطيون حول سبب وقوع حوادث القتل الجماعية، فبينما يلقي المحافظون باللائمة على الأمراض النفسية والاختلالات العقلية لمنفذي الهجمات أو بوصفهم أشخاصا شريرين يعتبر الديمقراطيون أن سهولة الحصول على الأسلحة النارية هي السبب الرئيسي لارتفاع عدد جرائم القتل.

ومع محاولات الديمقراطيين تقييد حقوق شراء السلاح أصدرت المحكمة العليا الأميركية قرارات عامي 2008 و2010 أكدت فيها أن المادة الثانية من الدستور تحمي حق الفرد في امتلاك سلاح ناري دون أن يكون شخصا عسكريا أو مرتبطا بالجيش.

ومع الاستقطاب الحاد في مجلسي الكونغرس وسيطرة المحافظين في أوساط قضاة المحكمة العليا لا يحمل الجدل الأميركي بارقة أمل في تقييد حق شراء الأسلحة النارية.

قوات أمن بالقرب من موقع حادثة القتل الجماعي بمدرسة روب في أوفالدي قرب تكساس (رويترز)

معضلة دستورية أميركية

أقر الدستور الأميركي قانون حيازة السلاح باعتبار أن هذا الأمر حق للمواطنين، لتصبح الولايات المتحدة الدولة الصناعية الوحيدة في العالم التي تسمح لمواطنيها بحمل السلاح في الشوارع، وهو أمر متجذر في الثقافة الأميركية.

ويدعم الدستور في مادته الثانية من "وثيقة الحقوق" الحق في شراء وحمل السلاح، حيث يؤكد أنه حق طبيعي للمواطن، وتحمي المادة الثانية حق الفرد في امتلاك سلاح لأغراض مشروعة كالدفاع عن النفس داخل المنزل أو ممارسة هواية الصيد.

ولا تحظر القوانين الأميركية شراء الأسلحة وصولا إلى البنادق نصف الآلية، كما يتم تقنين كمية ونوع الذخائر والطلقات المسموح بشرائها أو تخزينها على مستوى الولايات، كل على حدة.

ورأت المحكمة الدستورية العليا أنه يحق للأفراد حيازة أسلحة نارية في منازلهم، لكنها تركت للولايات مسؤولية تنظيم عملية امتلاكها وحملها.

ويرجع الدافع التاريخي الأساسي لتأييد هذا القانون وقت إصداره في نهايات القرن الـ18 إلى القلق الشديد من استبداد الحكومة، خصوصا بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركية.

وينص القانون الأميركي على أن عملية شراء سلاح بشكل قانوني تستلزم تحري مكتب التحقيقات الفدرالي عن بيانات سجل السوابق الجنائية للمشتري.

وتختلف القوانين المتعلقة ببيع الأسلحة من ولاية أميركية إلى أخرى، ففي ولاية مثل تكساس يستطيع الفرد حمل السلاح من دون ترخيص لأن القانون يبيح له ذلك.

وعلى الرغم من ذلك فإن هناك الكثير من الطرق للالتفاف على تلك الإجراءات، حيث يمكن شراء الأسلحة والذخيرة عبر مواقع الإنترنت -التي تعد سوقا ضخمة- بأسعار متدنية، إضافة إلى انتشار تهريب الأسلحة عبر الحدود المكسيكية.

المصدر : الجزيرة