فلسطين.. ضحايا التدريبات الإسرائيلية يرفضون مغادرة بيوتهم

يقول الحقوقيون إن سكان القرى الفلسطينية استنفدوا الجهد القانوني أمام القضاء الإسرائيلي، الذي أصدر قرارا "يُشرّع جريمة حرب" بترحيل المئات من سكان مسافر يطا جنوبي الخليل.

الفلسطيني محمد مخامرة خسر يده في انفجار لغم من مخلفات تدريبات الجيش الإسرائيلي ويرفض مغادرة أرضه (الجزيرة)

الخليل- قنبلة من مخلفات جيش الاحتلال الإسرائيلي كانت كفيلة بتغيير جذري في حياة الشاب الفلسطيني محمد يوسف مخامرة (19 عاما)، عندما انفجرت في حادث عرضي قرب منزله، ففقد يده اليمنى.

حدث ذلك في يناير/كانون الثاني 2021 عندما كان محمد مخامرة يتتبع قطيع أغنامه على أطراف منطقة سكنه في تجمع "المركز" بأقصى نقطة جنوبي الضفة الغربية.

فجأة زلت قدم الشاب عن صخرة في المرعى، فإذا به يسقط فوق قنبلة من مخلفات تدريبات نفذها الجيش الإسرائيلي على أراضي التجمع الذي كان يسكنه في حينه.

أصاب انفجار القنبلة محمد مخامرة بجراح بالغة أفقدته يده اليمنى، وأصابته بشظايا في القدم والبطن استدعت مكوثه في العناية المركزة بالمستشفى زهاء 9 أيام، واحتاج 3 أشهر أخرى ليعود إلى حياته الطبيعية.

الفلسطينية وداد أبو عرام تشير إلى سواتر ترابية أقامها جيش الاحتلال الإسرائيلي في محيط مسكنها (الجزيرة)

الابن الوحيد

لم يكن فقدان يده اليمنى هيّنا عليه، بل صار يشعر بنقص وعدم القدرة على القيام بكل الأعمال التي تتطلبها حياته في مجتمع زراعي رعوي، لا سيما أنه الابن الوحيد لوالديه مع 4 شقيقات، وفق حديثه للجزيرة نت.

ويقع تجمع "المركز" جنوب مدينة الخليل بمحاذاة الخط غير المرئي الفاصل بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وبين تلك المحتلة عام 1967، وهو من بين 13 تجمعا فلسطينيا يشملها قرار صدر عن المحكمة العليا الإسرائيلية برفض التماس سكانها ضد ترحيلهم.

واعتبر قرار لجيش الاحتلال الإسرائيلي في بداية الثمانينيات نحو 30 ألف دونم شرقي بلدة يطا "منطقة تدريبات عسكرية رقم 918".

اعتقال في المرعى

في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، تعرض محمد مخامرة ووالدته وداد أبو عرام وهما صائمان للاعتقال من قبل قوة إسرائيلية، ونقلا إلى منطقة نائية داخل الأراضي المحتلة عام 1948، قبل أن يطلق سراحهما في منطقة جبلية نائية وخالية دون طعام أو شراب، كما رويا للجزيرة نت.

يقول مخامرة إن حجّة الاعتقال كانت رعي الأغنام في أرض يصنّفها جيش الاحتلال منطقة تدريب عسكري، مع أنها أرض خاصة يفلحونها سنويا لغرض رعي الأغنام.

ويشكو الشاب المصاب من المداهمات الإسرائيلية المستمرة لتجمعهم، وتهديدهم بالترحيل، واستمرار ملاحقتهم في المراعي.

ويقول إن الملاحقات اشتدت في الأسابيع الأخيرة مع شروع جيش الاحتلال في إقامة جزء من الجدار العازل على أراضيهم في تلك المنطقة.

أراض مصنفة مناطق إطلاق النار جنوبي الضفة الغربية (الجزيرة)

"سنظل هنا ونُدفن هنا"

لا يبدو محمد مخامرة قلقا من قرار المحكمة الإسرائيلية، ويقول إنه لن يغادر مكانا يسكنه وولد فيه والده وأجداده لأمه وأبيه.

وغاية ما يطلبه محمد، كما باقي سكان التجمعات المهددة، توفير ما يكفي من الشعير والأعلاف لأغنامهم بعد حصارهم وملاحقتهم في المراعي، إذ يعتبرون بقاء ماشيتهم أهم مقوم لصمودهم.

أما وداد مخامرة، والدة محمد، فتقول للجزيرة نت إنها ولدت في تجمع "الحلاوة" القريب من "المركز"، وفيه نشأت، وتعتبره أعز مكان في قلبها. وتضيف "قضيتنا قضية أرض، ولو على القُف (الصخر) سنظل هنا، ونُدفن هنا".

وتشير أم محمد إلى عوائق ترابية أقامتها جرافات الاحتلال منذ أيام وأحاطت بها منطقة سكنها، وتقول "سكّروا كل المنطقة، وحاصرونا".

يسكن الفلسطينيون في التجمعات المهددة بالترحيل في كهوف أو أبنية مؤقتة شيّدت من الصفيح أو الطوب، وأغلبها صدر بحقها إخطارات هدم.

ولا يرتبط أي من التجمعات الفلسطينية في مسافر يطا بشبكة الكهرباء الإسرائيلية، ويعتمد سكانها على الألواح الشمسية التي تقدّمها الجهات المانحة الدولية.

وسبق أن خرّب الجيش الإسرائيلي عام 2019 شبكة مياه تخدم التجمعات المهددة قدمها مانحون دوليون أيضا.

بداية الترحيل

لم تمضِ أيام على صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، حتى باشر جيش الاحتلال بهدم منشآت وبركسات زراعية في التجمعات الواقعة ضمن المنطقة المحددة كمنطقة "إطلاق نار".

يقول رائد اعمر، من سكان تجمع "الفخيت" وهو ناشط وعضو لجنة محلية توثق انتهاكات الاحتلال، إن منزله تعرض للهدم مرتين، آخرها الأربعاء الماضي (11 مايو/أيار الحالي) إضافة إلى منشأتين من الصفيح.

ويشير اعمر، في حديثه للجزيرة نت، إلى تزايد الملاحقات الإسرائيلية للسكان مؤخرا ومصادرة مركباتهم وصهاريج نقل المياه، ومحاولة منع التنقل بين التجمعات الواقعة ضمن منطقة 918.

ويضيف اعمر، وهو أب لأربعة أبناء، أن التجمعات مهدد سكنها الفلسطينيون كانوا موجودين قبل قيام إسرائيل عام 1948، ولدى أغلبهم وثائق ملكية من العهد العثماني، أي قبل أكثر من 100 عام، ولن يغادرها أصحابها، و"واجبنا أن نتجذر فيها". ويشير إلى وجود 4 مدارس تخدم التجمعات المهددة، بها أكثر من 200 طالب وطالبة.

نافز العمور من تجمع "الفخيت" خسر أيضا 3 مساكن هدمها الجيش الإسرائيلي. ويقول إن الهدم هذه المرة تم دون إخطار مسبق، ليكون بداية تنفيذ قرار المحكمة بترحيل السكان "في كل لحظة قد يقومون بطرد الناس وترحيلهم، لكن هذه الأرض ورثناها عن أجدادنا وآبائنا وسنبقى فيها".

3 منازل يملكها نافز العمور تعرضت للهدم بعد قرار المحكمة الإسرائيلية (الجزيرة)

عقود من الملاحقات

في الساعات الأخيرة من مساء الأربعاء 4 مايو/أيار الجاري، تلقى نضال أبو يونس رئيس المجلس المحلي لـ"مَسافِر يطّا"، التي تشمل عدة تجمعات سكانية أيضا، اتصالا هاتفيا يفيد بأن المحكمة الإسرائيلية أقرت، بعد نحو عقد من المداولات، ترحيل سكان تلك التجمعات.

ومن بين 13 تجمعا تقع ضمن منطقة إطلاق النار، أقرت المحكمة تهجير 8 منها، يقطنها نحو ألفي نسمة، وفق رئيس المجلس المحلي.

والقرى والتجمعات التي يتهددها التهجير هي: طوبا، وجنبا، والمركز، وصفي الفوقا، وصفي التحتا، وخلة الضبع، والمفقرة، ومغاير العبيد، والفخيت، والتبان، والمجاز، والحلاوة، والركيز، وصارورة.

ترحيل مُبكر

وكان الجيش الإسرائيلي قد رحّل نحو 700 من سكّان تلك القرى عام 1999 بحجة أن "السكن غير قانونيّ في منطقة تدريبات عسكرية"، لكنهم أصروا على العودة.

في الوقت ذاته توجّه السكان إلى القضاء الإسرائيلي باعتباره الفرصة الوحيدة المتاحة أمامهم، حتى صدر قرار إسرائيلي برفض التماسهم ضد الترحيل.

يقول مدير البحث الميداني في منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية كريم جبران إن سكان القرى الفلسطينية استنفدوا الجهد القانوني الذي ووجِه بقرار "يُشرع جريمة الحرب وترحيل سكان المسافر".

وأضاف جبران للجزيرة نت أن "منظومة القضاء الإسرائيلية بما فيها المحكمة العليا مصممة لخدمة مشروع الأبرتهايد الإسرائيلي وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني".

ولا يستبعد جبران تنفيذ الترحيل من خلال عمليات هدم واسعة في هذه المنطقة، داعيا إلى "تجريم من صاغ القرار سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو التنفيذي أو القضاة الذين شرّعوا جريمة حرب، حسب معايير القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي".

وقال إن الحديث عن تدريبات عسكرية طريقة لتفريغ الأراضي الفلسطينية وللسيطرة عليها، مشيرا إلى إصابات عديدة سجلت بسبب المخلفات الإسرائيلية في مناطق إطلاق النار.

هدم مساكن فلسطينية بعد رفض المحكمة الإسرائيلية العليا التماسا ضد ترحيل السكان (الجزيرة)

خطة توسّع ممنهجة

من جهته يقول خبير الأراضي والاستيطان عبد الهادي حنتش إن مناطق التدريب العسكرية صُممت ضمن "سياسة ممنهجة للتوسع على خطوط التماس على حساب المواطنين الفلسطينيين".

ويشير حنتش، في حديثه للجزيرة نت، إلى صدور عدة أوامر عسكرية إسرائيلية عام 1996 بمصادرة 250 ألف دونم من أراضي شرقي الضفة الغربية، بمحاذاة غور الأردن على امتداد يتراوح بين 12 و15 كيلومترا من الشرق إلى الغرب، موضحا أن "منطقة 918" جزء من مخطط أوسع يمتد حتى مشارف القدس.

والاثنين الماضي، قالت الأمم المتحدة، في بيان لها بعد زيارة مسؤولين أمميين وأوروبيين بعض التجمعات المهددة، إنه "ينبغي السماح للفلسطينيين من سكان مَسافر يطا بالبقاء في منازلهم بكرامة".

وأضافت أن طرد السكان قد يرتقي "إلى مرتبة الترحيل القسري والمخالفة الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، ويشكل بالتالي جريمة حرب".

المصدر : الجزيرة