"القضاء وظيفة والسلطة للشعب".. ماذا يريد قيس سعيّد من منظومة العدالة؟

حذّرت أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي والجمهوري و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" من الانتهاكات الممنهجة للحقوق والحريات عبر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، والضغط على القضاء في محاولة لتسخيره للتنكيل بالخصوم السياسيين والتضييق عليهم.

دعوات سعيد لتطهير القضاء أثارت مخاوف من محاولات تطويعه الجزيرة نت
دعوات الرئيس قيس سعيّد لتطهير القضاء أثارت مخاوف من محاولات تطويعه (الجزيرة)

تونس- لا ينفك الرئيس التونسي قيس سعيّد عن توجيه اتهامات لاذعة بالفساد وعدم الاستقلالية للقُضاة، وصلت حد إعلان رغبته في إعادة تشكيل منظومة العدالة برمتها. وبالمقابل، اتهم هؤلاء الرئيس بمحاولة السيطرة على الجهاز القضائي وتركيعه بعد إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي.

ويرى مراقبون أن دعوة الرئيس وزيرة العدل إلى إعداد مشروع قانون للمجلس الأعلى للقضاء، الذي يُعد أعلى سلطة قضائية مستقلة، كانت "القطرة التي أفاضت الكأس"، وفتحت أبواب معركة كسر عظم بين السلطتين التنفيذية والقضائية.

وجدّد سعيّد، خلال مجلس وزاري مساء أول أمس الخميس، هجومه على القضاة بالقول: "ليعلم الجميع أنه لا وجود لدولة القضاة، هم قضاة الدولة، وما أسمعه وأحتقره وأزدريه هو أن يتحدث قاض عن الانقلاب.. واجب التحفظ والحياد يقتضي أن يلتزم الصمت ويطبق القانون بكل أمانة".

وسبق أن اعتبر سعيّد أن القضاء وظيفة وأن السلطة والسيادة للشعب، وأن القرارات تصدر باسم الشعب التونسي، خلال لقائه بمجموعة من القضاة.

وتعزّزت مخاوف طيف واسع من القضاة من ذهاب الرئيس إلى حل المجلس الأعلى للقضاء، في إجراء انتقامي، بعد إعلان هياكل قضائية رفضها القاطع لإجراءات 25 يوليو/تموز الماضي، التي جمد سعيد بموجبها البرلمان وأعلن ترؤسه النيابة العمومية.

ومنذ ذلك التاريخ، تتالت بيانات للمجلس الأعلى للقضاء عبّر فيها عن رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية عبر مراسيم رئاسية، كما اعتبر القضاة أن إصلاح مجلسهم يمر عبر المبادئ الدستورية، وليس باستعمال التدابير الاستثنائية.

 

 

معركة استقلال القضاء

في حديثه للجزيرة نت، اعتبر القاضي والمستشار بمحكمة التعقيب حمادي الرحماني أن تواتر اتهام القضاة بالفساد والمحسوبية على لسان رئيس الجمهورية يؤكد أن الجهاز القضائي مستهدف في استقلاليته، وأن هناك محاولات جادة لتركعيه ونسف منظومة العدالة بحل المجلس الأعلى للقضاء.

ويرى الرحماني أن موقف سعيد حيال القضاء "يأتي في إطار استهدافه لكل أجهزة الدولة وسلطاتها التي يحاول الاستحواذ عليها وتطويعها لخدمة مشروعه الاستبدادي منذ انقلابه على الشرعية والدستور".

وحسب القاضي، تخوض مؤسسة القضاء اليوم ما وصفها بـ"معركة حياة أو موت"، للحفاظ على استقلاليتها وعدم العودة لمربع التعليمات التي مورست في عهود الاستبداد.

ويقول: "بعد أن وضع سعيّد يده على المؤسسة التشريعية واستحوذ على صلاحيات البرلمان، يبدو أنه يتوجه حاليا للسطو على السلطة القضائية، بهدف محاربة وتصفية خصومه السياسيين من خلال الضغط على القضاة وتشويههم".

وأقرّ المستشار بوجود مآخذ على أداء المجلس الأعلى للقضاء، انتقدها هو شخصيا وزملاؤه، لكن لا يمكن أن تتخذ ذريعة لتفكيك المنظومة القضائية برمتها، من خلال حل المجلس الأعلى للقضاء بل عبر إصلاحه، وفق قوله.

وحذّر الرحماني رئيس الجمهورية من مغبّة أي خطوة قد تنسف المنظومة القضائية تحت مبرر الإجراءات الاستثنائية، مؤكدا أنه "سيواجَه بمقاومة شرسة من القضاة"، وبأنهم "لن يدّخروا جهدا في الحفاظ على شرف المهنة".

لتصفية الخصوم

سبق أن عبّرت أحزاب سياسية عن رفضها لتطويع القضاء لتصفية خصوم الرئيس، من خلال استصدار أحكام بالسجن ضد نواب وبوضع آخرين قيد الإقامة الجبرية، وآخرها الحكم بسجن الرئيس السابق المنصف المرزوقي 4 سنوات.

وأعربت حركة النهضة، في بيانات سابقة، عن تضامنها مع السلطة القضائية وهياكلها الممثلة، وعلى رأسها المجلس الأعلى للقضاء.

كما نددت بإحالة مدوّنين وصحفيين ونواب إلى القضاء العسكري، "في إطار ضغط مستمر يمارسه الرئيس على السلطة القضائية، بعد إعلان القضاة تمسكهم باستقلالية القضاء وعلوية القانون".

وفي بيان مشترك، حذّرت أحزاب التيار الديمقراطي والجمهوري و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" من تواصل الانتهاك الممنهج للحقوق والحريات عبر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، والضغط على القضاء في محاولة لتسخيره للتنكيل بالخصوم السياسيين والتضييق عليهم.

القيادي في التيار الشعبي محسن النابتي/شارع الحبيب بورقيبة/العاصمة تونس/يناير/كانون الثاني 2014
الناطق باسم التيار الشعبي محسن النابتي: قيس سعيد بصدد اتخاذ خطوات حاسمة لإصلاح القضاء (الجزيرة)

تطهير القضاء

ويرى الناطق الرسمي لحزب التيار الشعبي محسن النابتي أن الرئيس قيس سعيّد بصدد اتخاذ خطوات شجاعة وحاسمة نحو "إصلاح منظومة القضاء وتحريرها من سيطرة حكم حركة النهضة طوال الـ10 سنوات الماضية".

وانتقد النابتي -في حديث للجزيرة نت- ما وصفه بـ"فساد مستشرٍ في صفوف القضاة" و"معركة تصفية الحسابات بين أهم رموزه"، في إشارة إلى قضية وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس، البشير العكرمي، والرئيس الأول لمحكمة التعقيب السابق، الطيب راشد، التي أحيلا بموجبها إلى مجلس التأديب بتهمة "التستر على ملفات قضائية حارقة".

وأكد النابتي أن حزبه يساند أي إجراء من شأنه أن يطهّر القضاء من الفساد والمحسوبية، وأن يسترجع دوره بوصفه سلطة قضائية ومنظومة عدالة مستقلة لا تخضع لأي جهة سياسية، وتصدر أحكامها بقضايا الاغتيالات والتسفير والإرهاب.

وحول الاتهامات التي تطال قيس سعيّد "بالسطو على صلاحيات القضاء والرغبة في تركيعه"، استبعد النابتي أن تكون للرئيس أي طموحات من هذا النوع، وذهب إلى أن كل ما يريده سعيّد هو أن يتحمل القضاة مسؤوليتهم في تحقيق العدالة.

المصدر : الجزيرة