قارع الاحتلال الإسرائيلي 30 عاما.. تشييع حاشد لأيقونة المقاومة الشعبية "الشيخ الهذالين"

تظهر مقاطع فيديو متداولة، الشهيد الشيخ سليمان الهذالين، يعبر عن حبه لوطنه فلسطين، باعتبارها مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول إنها غالية ويطلب شهادة "تغيظ العدو وتسرّ الصديق"

: فلسطين-الخليل-أم الخير (جنوب الخليل)-الجزيرة نت-18 يناير 2022- تشيييع جثمان المسن الفلسطيني إبراهيمي الهذالين والذي دعسته شاحنة تابعة للشرطة الإسرائيلية خلال مداهمة قريته يوم 5 يناير/كانون الأول الجاري.
تشييع جثمان الشهيد سليمان الهذالين الذي دعسته شاحنة لقوات الاحتلال خلال اقتحامها قريته يوم 5 يناير/كانون الثاني الجاري (الجزيرة)

الخليل- من شمال فلسطين إلى جنوبها، احتشد آلاف الفلسطينيين، لتشييع أيقونة المقاومة الشعبية في فلسطين، الشهيد المُسن سليمان عيد الهذالين، في قريته الصغيرة "أم الخير"، جنوبي الضفة الغربية.

واستُشهد الهذالين، الاثنين، متأثرا بجراح ونزيف وكسور في أنحاء جسده، إثر دعسه "بشكل متعمد" -وفق عائلته- من قبل شاحنة للشرطة الإسرائيلية يوم 5 يناير/كانون الثاني الجاري، خلال اقتحام قريته.

وأجرى أطباء في مستشفى الميزان بالخليل، عدة عمليات جراحية للشيخ الهذالين (70 عاما) في محاولة لإنقاذ حياته، دون جدوى.

وعرف عن الهذالين مشاركته وحضوره الدائم في الفعاليات الشعبية بجنوبي الخليل بشكل خاص، وفي أنحاء الضفة عامة، رفضا للاستيطان والاحتلال، واشتهر بمقارعته الجنود الإسرائيليين رافعا عصاه وعلم فلسطين.

: فلسطين-الخليل-أم الخير (جنوب الخليل)-الجزيرة نت-18 يناير 2022- تشيييع جثمان المسن الفلسطيني إبراهيمي الهذالين والذي دعسته شاحنة تابعة للشرطة الإسرائيلية خلال مداهمة قريته يوم 5 يناير/كانون الأول الجاري.
آلاف الفلسطينيين شاركوا في تشييع جثمان الهذالين الذي يعتبر من أيقونات المقاومة الشعبية للاحتلال في فلسطين (الجزيرة)

مشاركة شعبية واسعة

وانطلق موكب التشييع بمراسم عسكرية فلسطينية من المستشفى الأهلي في الخليل، حتى مدخل المدينة الشمالي، ثم بموكب سيارات مدنية حاشد إلى مسقط رأسه.

وفي مشهد نادر منذ سنوات، شارك آلاف الفلسطينيين بينهم ممثلون عن كافة القوى والفصائل، في تشييع جثمان الهذالين، ضمن مسيرة راجلة لمئات الأمتار بمحاذاة مستوطنة "كرمئيل"، التي طالما شكل وجودها وجعا للشهيد.

ومن داخل المستوطنة، وقف جنود الاحتلال ومستوطنون يراقبون موكب التشييع ويصوّرون المشهد. بينما رفع المشاركون خلال التشييع علم فلسطين، اقتداء بالشهيد في حياته.

وكان الشهيد يسكن خربة "أم الخير"، وهي قرية صغيرة تضم مجموعة مساكن بدائية يهدم الاحتلال أي إضافة عليها، ولا يفصل بينها وبين المستوطنة سوى أسلاك شائكة.

وأعلنت حركة "فتح" ببلدة يطا المجاورة الحداد العام، الثلاثاء، على روح الشهيد، وأغلقت المؤسسات الرسمية والمحال التجارية أبوابها.

تهديد متلاحق

أُجبرت عشيرة الهذالين، التي ينتمي إليها الشهيد، على الهجرة من منطقة "عراد" في النقب إبان النكبة، فهاجر عيد الهذالين (والد الشهيد) واستقر شرقي بلدة يطا، واشترى أرضا ليقيم فيها، لكن الاحتلال لاحقه ليسلبه بعضها بإقامة مستوطنة على جزء منها.

ووجد سليمان نفسه، مضطرا للدفاع عن وجوده والتصدي لمشروع الاستيطان الإسرائيلي الجديد الذي يهدد ما تبقى من الأرض، ولا سيما مستوطنة "كرمئيل".

يقول معتصم، نجل الشهيد الهذالين إن والده سلك طريق المقاومة الشعبية السلمية دفاعا عن حقه، وكان شعاره "إثبات الحق لإنكار الباطل الذي هو الاحتلال والظلم".

وأشار في حديثه للجزيرة نت، إلى أن معاناة عشيرته بدأت بالنكبة عام 1948، ثم تواصلت بعد احتلال الضفة عام 1967، وإقامة مستوطنة بمحاذاة مسكنه عام 1982، وعمليات الهدم المتكررة بعد ذلك لمساكن العائلة.

ووفقا للابن، فإن وجود والده الشيخ الهذالين (من مواليد 1952) سبق الاحتلال، ولذلك ظل يرفضه حتى آخر أيامه، وجنّد نفسه للدفاع عن الحق.

وفي تعليقه على مشهد المشاركة الواسعة في تشييع والده، قال إنه يعكس مكانته في القلوب، "فقد كان يحرص على حمل علم فلسطين فقط في الفعاليات التي كان يشارك فيها، وفي جنازته توحّد الكل خلف العلم أيضا".

وأضاف الابن "كان للحج (للحاج والده) أسلوبه الخاص في الحث على وحدة الصف الوطني، وتحقق هذا في جنازته، وعدد المشيعين الكبير فيها، ربما لأنه لم يكن يبحث عن منافع الدنيا وتعلق قلبه بالآخرة".

ويقول معتصم الهذالين إن والده الشهيد "أدى الأمانة وترك رسائل عظيمة لمن بعده وهي السير على نهجه".

صور مختلفة من منصات التواصل الاجتماعي: سليمان الهذالين في مواجهة الاحتلال
الشهيد سليمان الهذالين في مواجهة سابقة مع جنود الاحتلال (مواقع التواصل الاجتماعي)

شعلة المقاومة

ومن بين المشيعين، وقف منسق لجان الحماية والصمود الأهلية جنوبي الخليل، جنوب الضفة، فؤاد العمور، حزينا، وهو من أكثر الناس قربا للشهيد الهذالين بالاشتراك معا في ميادين المواجهة مع الاحتلال.

يقول العمور للجزيرة نت: "الشيخ سليمان كان عبارة عن شعلة، وجنازته كانت بمثابة شعلة لكل الوطن، وأنارت الطريق من جديد أمام المقاومة الشعبية".

وأضاف الناشط الفلسطيني أن "استشهاد الهذالين كان بمثابة جرعة شحن للمقاومين ورسالة لتوحيد الصفوف".

لكن لماذا يصر رجل بهذا العمر على مقارعة جيش بعتاده؟ يجيب العمور: الشهيد عاصر النكبة الأولى والثانية (النكسة أو حرب 1967) والثالثة المتمثلة بسياسة هدم المنازل، وانشغل في آخر 30 سنة من عمره بمقارعة الاحتلال حبا للأرض".

ويرى العمور أنه لا بديل يوازي الشهيد "صدقا لن يكون له بديل في إطلاق الفعاليات الشعبية، فقد كان الأجرأ والأقدر على بدء المقارعة مع جنود الاحتلال والمبادرة للمواجهات".

وتظهر مقاطع فيديو متداولة للشهيد يعبر فيها عن حبه لوطنه فلسطين، باعتبارها مسرى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ويقول إن فلسطين غالية ويطلب شهادة "تغيظ العدو وتسرّ الصديق".

تصنيفات أوسلو

وتعاني التجمعات الفلسطينية الواقعة في المنطقة "ج" (وفق تصنيف اتفاق أوسلو)، والمقدرة بنحو 61% من الضفة الغربية، من الملاحقات الإسرائيلية المتواصلة بما في ذلك منع التغيير عليها من بناء واستصلاح الأراضي، مما يضطر السكان للحفاظ على مساكن بدائية تقليدية أقيمت قبل عام 1967.

وقسّمت اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل الأراضي الفلسطينية إلى 3 مناطق: "أ" وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، لكن ذلك لم يعد قائما بعد اجتياح الضفة عام 2002، و"ب" وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية، و"ج" وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة.

المصدر : الجزيرة