الجزيرة نت في قرية دير نظام الفلسطينية.. شهران من الحصار الإسرائيلي بتهمة رشق الحجارة

على أطراف قرية دير نظام تعيش 12 عائلة عرضة لهجمات المستوطنين، محاطة بالأسلاك الشائكة، وببوابة أقيمت ليستخدمها الاحتلال في اقتحام المنطقة في أي وقت، وتحت كاميرات المراقبة الدائمة.

رئيس مجلس دير نظام نصر مزهر بالقرب من شيّك الفاصل بين منازل المواطنين ومستوطنة حلميش - صورة خاصة الجزيرة نت- رام الله -يناير2022
رئيس مجلس قرية "دير نظام" نصر مزهر بالقرب من جدار من الأسلاك الشائكة فاصل بين منازل الفلسطينيين ومستوطنة حلميش (الجزيرة)

رام الله- بعد أيام من التنسيق مع الأهالي والنشطاء فيها، تمكنّا أخيرا من دخول قرية دير نظام الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية. فقد ضرب الاحتلال حصارا عليها وأغلق مداخلها منذ 60 يوما، وهو لا يسمح لغير سكانها بالدخول أو الخروج منها.

لا يوجد خط مواصلات مباشر للقرية، وكان علينا أن نستقل مركبات قرية "عابود" المجاورة، واضطر السائق للمغامرة بدخول القرية في لحظة غياب جنود الاحتلال عن مدخل "دير نظام" لدقائق.

وعلى الشارع الضيّق المؤدي إلى دير نظام، يمكن ملاحظة المكعبات الإسمنتية التي يستعملها الجنود لإغلاق المدخل، وعرقلة حياة أكثر من 1200 فلسطيني هم أهالي القرية.

ولتعزيز حصارها، أغلق الاحتلال أيضا طريقا زراعيا يسلكه الأهالي، بالسواتر الترابية، بالإضافة لإغلاق مدخلين آخرين بالبوابات الحديدية والأسلاك الشائكة. ولم يبق أمام السكان سوى المدخل الرئيسي الذي أقام عليه الجنود الإسرائيليون حاجزا عسكريا دائما منذ شهرين.

مدخل قرية دير نظام- صورة خاصة الجزيرة نت- رام الله -يناير2022
مدخل قرية دير نظام حيث المكعبات الإسمنتية ينصبها الاحتلال لإغلاق القرية (الجزيرة)

المشكلة.. "حلميش"

وصلنا إلى منزل رئيس المجلس القروي نصر مزهر، الذي قال "منذ شهرين ونحن نعيش في سجن، الجنود يتحكمون بفتح الحاجز وإغلاقه حسب مزاجهم".

وفي بعض الأيام لا يتم فتح الحاجز إلا بعد العاشرة صباحا، وهو ما يعني حرمان الموظفين والطلبة خاصة من الوصول إلى عملهم ومدارسهم وجامعاتهم كالمعتاد. وفي أيام أخرى، يُغلق الحاجز في وقت مبكر، مما يحرم من هم خارج القرية من العودة إليها، هذا بالإضافة إلى التفتيش الدقيق للمركبات والركاب.

ويذكر مزهر -في حديثه للجزيرة نت- أن "مستوطنة حلميش" المقامة على أراضي قريتي دير نظام و"النبي صالح" المجاورة، هي السبب في إغلاق القرية، بعد أن حوّل مستوطنوها حياة أهالي المنطقة إلى جحيم، وأن "الاعتداءات على السكان ومنازلهم ومواشيهم وأراضيهم الزراعية لا تنتهي، وكل ذلك بحماية جنود الاحتلال".

ويذكر مزهر (57 عاما) حياة القرية قبل إقامة المستوطنة الإسرائيلية عام 1978، فقد كانت المنطقة عبارة عن محمية طبيعية مزروعة بالأشجار، ومتنفس لعب للأطفال ويرعى فيها المزارعون مواشيهم، خاصة أنها تحتوي على ينابيع تتدفق من مياه الأمطار.

اعتداءات مستمرة منذ عقدين

بدأ الاحتلال بإنشاء المستوطنة عندما قام المستوطنون بنصب خيام بسيطة، توسعت على أراضي المواطنين حتى وصلت حدود منازلهم، وباتت تسيطر على ألفي دونما من القرية. وكانت أولى اعتداءات المستوطنين عام 1998، عندما قطعوا أكثر من 100 شجرة زيتون معمرة من أراضي "دير نظام" و"النبي صالح".

ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الاعتداءات التي كانت تشتد وتتراجع بحسب الأوضاع الأمنية. وخلال الانتفاضة الثانية (2000-2005) أصبحت اعتداءات المستوطنين دائمة، حيث سعوا بكل السبل للتضييق على الأهالي، عبر تخريب الأراضي الزراعية وتدمير المحاصيل وإطلاق الخنازير على المزروعات، والاعتداءات المباشرة على المنازل، وصولا لإغلاق مداخل القرية بإسناد من مستوطني "حلميش" وغيرها من المستوطنات القريبة.

خلال حديثنا مع رئيس المجلس، كان ابنه الأصغر مزهر (14 عاما) إلى جانبه، وتحدّث عن معاناته وزملاءه خلال ذهابهم وعودتهم من المدرسة يوميا. وعلى هاتفه النقال، عرض مقاطع مصورة توثق إطلاق الغاز على المدرسة واحتجاز الطلبة.

يقول مزهر الابن للجزيرة نت "كل يوم يقوم الجنود بتوقيفنا خلال عودتنا من المدرسة، وأحيانا يتم التحقيق معنا لساعات، قبل أن يطلقون سراحنا بعد تهديدنا في حال قمنا برشق الحجارة".

وإن كان مزهر يتم احتجازه خلال عودته من المدرسة، فعشرات الأطفال يتم اعتقالهم من منازلهم بعد اقتحامها في منتصف الليل وترهيبهم والتحقيق معهم، كما يقول رئيس المجلس.

الطفل مزهر نصر مزهر 14 عاما- قرية دير نظام- صورة خاصة الجزيرة نت- رام الله -يناير2022
الطفل مزهر تحدث عن معاناتهم اليومية في الطريق إلى المدرسة على يد قوات الاحتلال (الجزيرة)

12 منزلا في مهب الضم

تعتبر المنطقة الشرقية للقرية الأكثر تهديدا، وفيها 12 منزلا مهددة بالمصادرة والضم للمستوطنة المحاذية، وأقدمها منزل صالح مصطفى مزهر الذي بناه والده عام 1969، ووقف طوال عقود حجر عثرة أمام توسّع المستوطنة على أراضي القرية.

في منزل صالح مزهر، استقبلتنا زوجته زمزم، وتحدثت عن معاناتها اليومية بعد وصول حدود المستوطنة لمنزلها. وكانت تشير إلى ما وراء الجدار الفاصل بين منزلها والمستوطنة، وقالت: "كل هذه الأرض لنا، حتى بعد إقامة المستوطنة كنا نستطيع الوصول إليها وزراعتها، لكن قبل سنوات تم تشييكها بالكامل وضمها".

وتذكر الزوجة -للجزيرة نت- أن هذه الأراضي المملوكة لعائلة زوجها، كانت أشبه بمتنزّه يقصده أهالي القرية، حتى أن حفل زفافها أقيم عليها قبل 36 عاما، و"اليوم ممنوع علينا الاقتراب منها، سرقوا أرضنا وشوهوا ذكرياتنا الجميلة فيها".

وعند اندلاع المواجهات بين الفتية وقوات الاحتلال أسبوعيا تقريبا، يقوم المستوطنون بمهاجمة منزل زمزم بالحجارة، كما يقتحم الجنود البيت ويحتجزون سكانه ويفتشونه بالكامل، وقبل سنوات قاموا باحتلال سطح المنزل لأسبوع كامل.

صالح مصطفى مزهر- من سطح منزله المقابل لمستوطنة حلميش- صورة خاصة الجزيرة نت- رام الله -يناير2022
صالح مصطفى مزهر من سطح منزله المقابل لمستوطنة حلميش (الجزيرة)

ومن سطح المنزل، يمكن للرائي ملاحظة الواقع ذاته الذي تعيشه 11 عائلة أخرى محاطة بالأسلاك الشائكة، وببوابة أقيمت ليستخدمها المستوطنون والجنود للدخول إلى منطقتهم في أي وقت، وتحت كاميرات المراقبة الدائمة.

وتخشى العائلة -كما يقول صالح مزهر- من مخططات جديدة بإقامة طريق تصل للمستوطنة من أمام منزلها، وهو ما يعني ضم المنزل وفصله عن القرية.

وبحسب الرجل، فالمستوطنة تتوسع كل فترة بمصادرة مزيد من الأراضي، وهذه المنازل هي ما يمنع التوسع الآن. ويعبر عن مخاوفه من ضمها جميعا للمستوطنة والتحكم بحركة أبنائها عبر بوابات إلكترونية.

خلال الجولة، وصلت سيارة جيب احتلالية وترجل منها مجموعة من جنود الاحتلال، فنصحنا رئيس المجلس بالمغادرة قبل أن تندلع مواجهات أو يغلق الاحتلال الحاجز الذي يتحكم بحياتهم، فكما يقول "التواجد الدائم لجيش الاحتلال في القرية يستفز الفتية الذين يرشقونه بالحجارة، وهو ما يُستخدم ذريعة لمزيد من الإغلاق والتنكيل بالأهالي".

المصدر : الجزيرة