بين ترقّب وابتهاج.. كيف تنظر أوكرانيا إلى احتجاجات كازاخستان؟

بعيدا عن السياسة واعتباراتها، يظهر نبض مواقع التواصل والشارع في أوكرانيا ابتهاجا علنيا حيال احتجاجات كازاخستان، ويرى أنها تنضم اليوم إلى صف أوكرانيا وغيرها من دول الاتحاد السوفياتي السابق، على طريق التحرر وخلع نظُم القمع والاستبداد، والخروج من معسكر الموالين لروسيا.

Rally in Kiev
أوكرانيون يحملون لافتة بعنوان "قل لا لبوتين" في مظاهرة بكييف ضد ما وصفوه التدخل الروسي بكازاخستان، بعد إرسال موسكو قوات حماية السلام إلى "نور سلطان" (غيتي إيميجيز)

كييف- بين ترقّب وابتهاج تتفاعل الأوساط الأوكرانية مع احتجاجات كازاخستان، لا سيما أن الأحداث الدائرة هناك -بحسب كثيرين- تُلقي بظلالها على أزمة أوكرانيا الراهنة مع روسيا، وقد تحمل جملة من التداعيات عليها.

وتتحدث السلطات في كييف عن "إدانة العنف"، وعن مصالح "الرعايا" الأوكرانيين، مشددة على ضرورة احترام قوات "حفظ السلام" الروسية لاستقلال كازاخستان والقانون الدولي، و"ألا يطول وجودها في ذلك البلد".

لكن البيانات الرسمية في العاصمة الأوكرانية لا تستعجل -على ما يبدو- الانضمام إلى صفوف دول وحكومات أعربت صراحة عن دعم المحتجين في كازاخستان، أو تأييد تطلعاتهم.

ومع ذلك، خرج بعض المسؤولين الأوكرانيين بتصريحات وتلميحات لافتة، سخرت ضمنا من نظام الحكم في كازاخستان، ولعل أبرزها ما صدر عن المستشار في مكتب الرئاسة الأوكرانية، أوليكسي أريستوفيتش.

وفي منشور على "فيسبوك"، علّق أريستوفيتش على اتهام سلطات كازاخستان للمحتجين بالإرهاب، وتوقع ساخرا دخول تنظيم الدولة الإسلامية قريبا إلى المشهد، للمطالبة بخفض أسعار الغاز (الذي يطالب به الكازاخيون).

شرطة كازاخستان خلال الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الطاقة (وكالة الصحافة الأوروبية)

جلاء الصورة قبل التضحية بالعلاقات

بهذا الموقف "المتأني"، إن صح التعبير، تُخالف أوكرانيا سياسة تطبقها في مواطن أخرى منذ أعوام، وتتبنى من خلالها مواقف دول الغرب الأوروبي، التي تتقارب معها.

ولعل آخر هذه المواقف كان في بيلاروسيا، عندما رفضت كييف الاعتراف بفوز أليكساندر لوكاشينكو رئيسا شرعيا بعد انتخابات أغسطس/آب 2020، ثم أيّدت الاحتجاجات المناهضة لنظام حكمه، فكان ذلك سببا لتوتر كبير ومستمر مع مينسك.

وهنا يبرز رأي مفاده أن أوكرانيا ليست مستعدة اليوم لتكرار ذلك الموقف، والتضحية بعلاقاتها مع كازاخستان قبل جلاء الصورة فيها، لا سيما أن كييف ترتبط مع العاصمة أستانا (نور سلطان) بعلاقات جيدة.

وفي حديث مع الجزيرة نت، يقول مدير مركز "التحليل السياسي"، إيهور كوهوت، إن أوكرانيا لا تستطيع تغليب مشاعر التأييد للحريات والحقوق على المصالح؛ فكازاخستان دولة صديقة، رفضت احتلال القرم، وتمسّكت بمواقف إيجابية من الأزمة مع روسيا، كما أن أوكرانيا ترتبط بعلاقات اقتصادية مهمة معها.

وبالفعل، فقد أعلن وزير الطاقة الأوكراني، هيرمان هالوشينكو، توقف إمدادات الفحم من كازاخستان، رغم عقود "موسم التدفئة" المبرمة بين البلدين.

كازاخستان للواجهة بدلا من أوكرانيا

وجاء توقف إمدادات الفحم -على ما يبدو- كمقدمة توتر، من المؤكد أن الطرفين لم يريداه في الأمس القريب، ولعله يدخل في إطار تحليلات كثيرة، تربط احتجاجات كازاخستان بالتوترات حول أوكرانيا.

ويرى كوهوت أن الاحتجاجات في كازاخستان فاجأت الجميع من حيث الحجم والتوقيت، "ولهذا تبدو للبعض وكأنها مصطنعة من مبدأ "هذه بتلك"، للضغط على روسيا من خلال أقرب وأكبر حلفائها، والحد من تصلب مواقفها إزاء أوكرانيا".

ويضيف "سواء صحّت هذه النظرية أم لا، فالأكيد أنها شكلت صدمة لموسكو، وعززت موقف واشنطن والناتو في مفاوضات الأزمة الأوكرانية معها، وهذا -في النهاية- أمر يبدو إيجابيا بالنسبة لكييف".

لكن المحلل السياسي عبر عن مخاوفه من نتيجة عكسية، "فالرهان قد يكون في غير محله. وأخشى أن تلجأ روسيا إلى أسلوب انتقامي، تستخدم فيه القوة بصورة أسرع مما كان متوقعا في كازاخستان وأوكرانيا معا، وهذا غير مستبعد عن العقلية الروسية"، على حد قوله.

Protesters toppled a statue of Nursultan Nazarbayev
من الاحتجاجات في كازاخستان والتي يؤيدها الشارع الأوكراني ويعتبرها محاولة للتخلص مما وصفه الأوكرانيون بالمتسلطين في الكرملين (مواقع التواصل)

ابتهاج في الشارع الأوكراني

وبعيدا عن السياسة واعتباراتها، يظهر نبض مواقع التواصل والشارع في أوكرانيا ابتهاجا علنيا حيال احتجاجات كازاخستان، ويرى أنها تنضم اليوم إلى صف أوكرانيا وغيرها من دول الاتحاد السوفياتي السابق، على طريق التحرر وخلع نظُم القمع والاستبداد، والخروج من معسكر الموالين لروسيا.

وقد شهدت العاصمة كييف، الأحد، حملة "قل لا لبوتين"، ندد المشاركون، خلالها بسياسات الرئيس الروسي تجاه بلادهم، وعبّرت فيها بعض شعاراتهم وهتافاتهم وأعلامهم عن تأييد صريح وقوي للمحتجين في كازاخستان.

ووسط تصفير وتصفيق حار، جاب العلم الكازاخي أجواء وسط المدينة، في إشارة دعم رمزية، عبر عنها أحد المنظمين بالقول "اليوم، يقول الكازاخيون كلمتهم، ويكررون ما حدث في أوكرانيا على طريق نيل الاستقلال الحقيقي، ويعيدون كابوسها مجددا إلى أذهان المتسلطين في الكرملين".

المصدر : الجزيرة