انتخابات المغرب اليوم.. 18 مليون ناخب يختارون مجالس النواب والبلديات والجهات والهموم الداخلية تتصدر

تتبارى برامج الأحزاب المغربية على معالجة قضايا تتعلق بمطالب المواطنين، المرتبطة بالخدمات الاجتماعية والإقلاع الاقتصادي، في حين تبقى السياسة الخارجية شأنا حصريا للمؤسسة الملكية.

إعلانات دعائية لتشجيع التصويت في الانتخابات المقبلة
حملة للحث على التصويت في الانتخابات العامة بالمغرب (الجزيرة)

الرباط- "الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن..". هكذا تحدث الملك محمد السادس، خلال خطاب الذكرى 68 لثورة الملك والشعب في 20 أغسطس/آب المنصرم عن الانتخابات العامة التي تنطلق بالمغرب اليوم الأربعاء.

ويتوجه اليوم الأربعاء حوالي 18 مليون ناخب مغربي إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يمثلهم في مجلس النواب ومجالس الجماعات والجهات، ويتنافس 6 آلاف و815 مرشحا، في انتخابات مجلس النواب، و157 ألفا و569 مرشحا في مجالس الجماعات.

وتأتي الانتخابات في حين تسعى السلطات في المغرب لتجسيد ما تسميه "النموذج التنموي الجديد" الذي قدمته لجنة خاصة برئاسة شكيب بنموسى للملك محمد السادس أواخر مايو/أيار الماضي، وتفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية.

كما تأتي في سياق تتكاثف فيه القضايا والملفات المتعلقة بالشأن الداخلي، وأخرى متعلقة بالوسط الإقليمي والدولي.

الملك محمد السادس خلال ترِؤسه بالقصر الملكي بفاس حفل إطلاق مشروع تعميم الحماية الاجتماعية أبريل/نيسان 2021 (مواقع التواصل)

الوحدة الترابية والجائحة

وتعتبر قضية الوحدة الترابية بالمغرب أولى الأولويات، ومعظم القضايا الأخرى تسير إما موازية أو مواكبة لها وتتفاعل معها.

كما تحتل تأثيرات جائحة كورونا مكانة مركزية في القضايا الملحة والآنية وطنيا كما في باقي العالم، بما مثلته من تداعيات لا تزال متواصلة، وما تبعها من إجراءات ومشاريع الحماية الاجتماعية، والاقتصاد غير المهيكل (غير الرسمي)، وورش الرقمنة، وتوطين الصناعات لاستبدال الواردات، إضافة إلى ما فرضته الجائحة من ضرورة تحسين خدمات الصحة والتعليم وباقي الخدمات الاجتماعية.

وشهدت العلاقات المغربية في محيطها الإقليمي العديد من الهزات، تمثلت في التوتر السابق مع إسبانيا وألمانيا، وفتور، غير معبر عنه، في العلاقة مع فرنسا، وصولا لإعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.

وكان الملك محمد السادس قد صرّح في خطابه (20 أغسطس/آب) أن "المغرب يتعرض لعملية عدوانية مقصودة"، موضحا أن "أعداء "الوحدة الترابية" للمملكة ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة، ولا يريدون أن يبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا".

المسار الديموقراطي

يقول الخبير في العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني إن المغرب اختار المضي في بناء مساره الديمقراطي والحفاظ على مواعيد الانتخابات رغم تكاثف الملفات داخليا وخارجيا، وما تفرضه من تحديات لم يسمح لها بأن "تفرمل" تجديد مؤسساته المجالية والتشريعية والتنفيذية.

وكان الملك محمد السادس قد قال إن هذه الاستحقاقات تتميز بإجراء الانتخابات العامة، في يوم واحد.

ويرى الحسيني أن "الممارسة المغربية الديمقراطية تسير بطريقة هادئة ومتدرجة وواعية دون آثار خطيرة على السلم الاجتماعي أو على الأداء الاقتصادي".

وشهد المغرب خلال العقدين الأخيرين انتقالا بين النخب القائدة للحكومة في تجربتين كبيرتين؛ تجربة حكومة التناوب برئاسة المعارض محمد اليوسفي، وتجربة حكومة الإسلاميين مع حزب "العدالة والتنمية".

ويتوقع الحسيني أن تنجح الانتخابات الجارية في تحقيق انتقال سلس في المؤسسات وتغيير النخب.

شأن داخلي

وتعتبر الانتخابات في المغرب شأن داخلي، ويظهر من برامج الأحزاب تباريها في معالجة قضايا تتعلق بمطالب المواطنين، التي جاءت في معظمها مرتبطة بالخدمات الاجتماعية والإقلاع الاقتصادي.

ويرى رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد مصباح، في حديث للجزيرة نت، أن البرامج الانتخابية لا تركز على ملف السياسة الخارجية، وأن الأزمات التي عاشها المغرب مع بعض الدول لا يلامسها النقاش السياسي المرتبط بالانتخابات.

وتعتبر السياسة الخارجية ملفا محفوظا للمؤسسة الملكية، كما يقول مصباح، ويضيف أن "الانتخابات مرتبطة برهانات داخلية متمثلة أساسا في الحفاظ على وتيرة الاستقرار من خلال تجديد النخب".

وفي السياق ذاته، يعتبر تاج الدين الحسيني أن قوة الدولة المركزية والاستمرارية التي تطبع وجود المؤسسة الملكية، تعطي النظام المغربي نوعا من الاستقرار، وهي قوة تمكنه، من تجاوز التأثيرات المتبادلة بين ما يجري على الصعيد الإقليمي أو الدولي وعملية المؤسسات وسيرها الديمقراطي، التي يتم فيها التركيز على ضوابط الدستور.

بين التنمية والديمقراطية

ويركز المغرب، حسب خبير العلاقات الدولية أحمد نور الدين، على البناء الداخلي، سواء كان تنمويا أم ديموقراطيا، ويعتبره الطريق نحو تحصين السيادة المغربية من خلال تقوية الاقتصاد وتقوية الوزن الإستراتيجي للمملكة على الساحة الدولية.

ويضيف نور الدين أن المغرب اختار طريق تعزيز المكتسبات الديمقراطية، مذكرا بتجربة دمج المعارضة خلال مرحلة حكومة التناوب، وتجربة الإنصاف والمصالحة وما أعطت للمغرب من نفس قوي في سياسته الخارجية ومصداقية مع شركائه.

ويضيف إليها تجربة دمج الإسلاميين خلال موجة الربيع العربي، والتي اعتبرت خيارا إستراتيجيا ساهم في تحصين مكتسبات المغرب خارجيا، وتعزيز دوره الإستراتيجي على مستوى العالم.

وبالتوازي، يوضح أحمد نور الدين، أن المغرب اعتمد على ركيزة ثانية تتمثل في التنمية الاقتصادية والبشرية من خلال الورش الكبرى والبنيات التحتية، وصناعات جديدة.

ويعتقد نور الدين أن المغرب مقتنع أن المسار الديمقراطي يتطلب السير بتدرج، ويقول "أحيانا إحراق المراحل يؤدي لانتكاسات في الديمقراطية".

وقال إن المضي في البناء الديمقراطي استمرار في حل جميع الإشكالات الأخرى، لكنه شرط لا يكفي، والمكمل له هو التنمية بوتيرة متناسبة.

الأمن والاستقرار الإقليمي

وقال الملك محمد السادس في خطاب العرش "بموازاة مع مبادراته التنموية، على المستوى الداخلي، فإن المغرب يحرص على مواصلة جهوده الصادقة، من أجل توطيد الأمن والاستقرار في محيطه الأفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة في جواره المغاربي"، وجدد الدعوة للجزائر للعمل سويا دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.

ويرى مراقبون أن دعوة الملك ساهمت في إذكاء الروح الوطنية عند المغاربة، بالإضافة إلى قضية "معبر الكركرات" الذي اعتبره المغاربة انتصارا حقيقيا على مستوى ترسيخ الوحدة الوطنية.

ويضاف إلى ذلك، تدبير ملف العلاقة مع إسبانيا والتأكيد على أن "المغرب اليوم ليس كمغرب الأمس"، بما أظهره من تعامل ندّي في علاقته مع أوروبا.

المصدر : الجزيرة