البناء بمناطق "سي".. لماذا رفضت السلطة الفلسطينية قرارا إسرائيليا بذلك؟
إعلان إسرائيل السماح للفلسطينيين بالبناء في مناطق "سي" يستثني السلطة ويلغي وجودها، ويُعدّ خادعا "كونه يظهر السيادة المطلقة لإسرائيل على مناطق سي المصنفة مناطق محتلة، وفق أوسلو".
نابلس – نحو 500 منزل يقطنها أكثر من 3 آلاف نسمة في قرية بئر الباشا قرب مدينة جنين (شمال الضفة الغربية) ربما ستصبح أثرا بعد عين إذا ما قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ذلك، فلا يملك أي من تلك المنازل ترخيصا في البناء الذي ترفض إسرائيل منحهم إياه، فالقرية تقع بمنطقة تصنف أنها "سي"، أي خاضعة لسيطرتها الأمنية.
وضمن تفاهماتها مع الإدارة الأميركية، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بزعامة نفتالي بينيت تصديقها على بناء 2200 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وبالمقابل منحها تراخيص لألف وحدة سكنية في 5 مناطق فلسطينية تصنف أنها "سي" كبادرة لحسن النية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمناطق "سي".. معاناة فلسطينية
تراخيص البناء للفلسطينيين بمناطق "سي".. تبييض للاستيطان وقضم متدرج للضفة
الاحتلال يسعى لتهجير سكانها قسرا.. "المُغِّير" الفلسطينية قصة تروى
وبئر الباشا واحدة من تلك القرى التي خصّها الاحتلال بترخيص 270 منزلا (هي نصف القرية تقريبا)، وفق ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وهي خطوة لو نفذت فعلا فستنقذ القرية من خطر الهدم الذي يتهدد منازلها كاملة مع أن أحدا من سكانها لم يتلق أي إخطار بالهدم حتى اللحظة، "لكن الخوف قائم"، كما يقول رئيس المجلس القروي لبئر الباشا يحيى قادري.
لا مخطط ولا مكان
هذا الخوف يعزوه قادري إلى وقوع القرية -المقدرة بنحو 3 آلاف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) منها 900 دونم مخطط هيكلي- بمناطق "سي" الخاضعة لسيطرة الاحتلال، وفق اتفاق أوسلو، وتحتاج إلى ترخيص يمنعه عنهم.
وينفي قادري تلقيهم في المجلس القروي إشعارا بترخيص أي وحدات سكنية جديدة أو قديمة، وأكد حاجتهم الماسة إلى البناء في ظل الازدياد الكبير بأعداد السكان والاكتظاظ بالمنازل، إذ يبلغ متوسط أفراد الأسرة 7 أشخاص، وباتوا يتكدسون في البناء العمودي لانعدام المكان أفقيا وعدم السماح لهم بتوسيع مخططهم الهيكلي "المخالف والمهدد أصلا".
ويضيف للجزيرة نت "كون أن القرية مصنفة سي فكل ما بوسعنا فعله هو فتح ملف بوزارة الحكم المحلي على أمل أن تسمح إسرائيل بترخيصه في المستقبل وفق الاتفاقيات"، وهو ما اضطر بعض السكان إلى البناء في السهل الزراعي المقابل، وتكبُّد تكاليف عالية وتحمل مشقة الوصول إلى منازلهم بخاصة في فصل الشتاء حيث الشوارع غير معبدة.
ومنذ عام 1948 إبان النكبة الفلسطينية هُجّر أهالي بئر الباشا من مدينة حيفا، واستقر بهم المقام في القرية بعد أن ابتاعوا أرضها من أصحاب القرى المجاورة، ولذلك وبفعل الزيادة المطردة في أعدادهم فهم يحتاجون إلى أكثر من 20 وحدة سكنية سنويا.
وعلى الرغم من أن قرارات الاحتلال لم تسقط أرضا فإنها قوبلت بالرفض الرسمي الفلسطيني الذي عدّها "أحادية الجانب"، ومن دون اتفاق بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
اتفاقيات مؤقتة لا تقيد
وبنبرة تحمل الاستهجان والاستنكار، قال الوزير وليد عساف رئيس هيئة شؤون الجدار والاستيطان إن أكثر من 70 ألف وحدة سكانية فلسطينية غير مرخصة بُنيت بالضفة الغربية والقدس بشكل مخالف كما يصفها الاحتلال، "في حين هي شيدت فوق أراضينا التي يحق لنا البناء فيها من دون العودة لإسرائيل، ولن نهاجر ثانية".
وأكد عساف في حديثه للجزيرة نت أن البناء خارج التنظيم الهيكلي للقرى والمدن الفلسطينية جاء نتيجة الحاجة الطبيعية للفلسطينيين، فضلا عن أن هذه المخططات جاءت أصلا لتخدم اتفاقيات مؤقتة ومحددة بـ5 سنوات، في إشارة منه إلى اتفاق أوسلو.
وبيّن عساف أن هذه التصريحات الإسرائيلية التي لم تسقط واقعا حتى الآن جاءت لاسترضاء الأميركيين لتمرير بناء أكثر من 2300 وحدة استيطانية جديدة، وأضاف أنهم لا يعرفون ما سيفضي إليه لقاء بينيت والرئيس الأميركي جو بايدن لكنهم في السلطة الفلسطينية يرفضون بتاتا أي مقايضة بهذا الشأن.
وبغضب تساءل عساف: ماذا يعني ألف وحدة سكنية في ظل حاجة الفلسطينيين إلى أكثر من 50 ألف وحدة خلال السنوات الخمس القادمة؟ أكثر من 60% منها ستكون بمناطق "سي" التي يتهددها الاحتلال، فمناطق "أ" و"ب" الخاضعة لسيطرة الفلسطينيين لم تعد تتسع.
استرضاء أميركا وفرض للسيادة
ويتفق الناشط في مقاومة الجدار والاستيطان جمال جمعة مع ما ذهب إليه عساف بشأن استعطاف الأميركيين لزيادة البناء الاستيطاني، ومن ثم أعلنت حكومة الاحتلال منحها تراخيص لمئات الوحدات الفلسطينية.
ويقول جمعة للجزيرة نت إن إعلان إسرائيل موجه أساسا للمجتمع الدولي، لتظهر كأنها "عادلة" وتسمح للفلسطينيين بالبناء مقابل الاستيطان وأن الأرض "إسرائيلية"، وأكد أن الطرح بهذا السياق خطير جدا وخادع كونه يظهر السيادة المطلقة لإسرائيل على مناطق "سي" المصنفة مناطق محتلة وفق أوسلو.
كما تستثني إسرائيل بهذا القرار السلطة الفلسطينية، وتريد أن تضعها على الرف وتلغي وجودها، بخاصة أنها تحرم على الفلسطينيين استخدام أكثر من 70% من أراضي الضفة الغربية.
ولهذا -والكلام لجمعة- فالمطلوب من السلطة أن تقف وتفكر في الذي تريده إسرائيل من سحب البساط من تحت أقدامها بكل مناطق الضفة الغربية، ودعاها لتوجيه جهودها من أجل حماية الأرض والمشروع الفلسطيني "الذي أصبح خلف ظهرها، وفق ما يبدو".