حادثة القفز على جثة مسلم قتله الجيش.. القصة الكاملة لمعاناة المسلمين في "آسام" الهندية

حادثة مقتل عدد من المسلمين على أيدي الجيش والشرطة في ولاية آسام -لرفضهم قرار إخلاء منازلهم التي يقيمون فيها منذ 50 عاما وفق القانون، وانتشار مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي يظهر فيه مصور صحفي وبعض الجنود وهم يقفزون فوق جثة مسلم أرداه الجنود قتيلا- أعادت إلى الواجهة قضية المسلمين في آسام ومعاناتهم.

اعتداء قوات أمن هندية على فلاح مسلم في ولاية آسام
جثة فلاح مسلم ملقاة على الأرض بعد اعتداء عناصر أمن هنود عليه بالضرب في ولاية آسام (مواقع التواصل)

نيودلهي – حادثة مقتل عدد من المسلمين على أيدي الجيش والشرطة في ولاية آسام -لرفضهم قرار إخلاء منازلهم التي يقيمون فيها منذ 50 عاما وفق القانون، وانتشار مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي يظهر فيه مصور صحفي وبعض الجنود وهم يقفزون فوق جثة مسلم أرداه الجنود قتيلا- أعادت إلى الواجهة قضية المسلمين في آسام، ومعاناتهم من اضطهاد حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) الهندوسي المتطرف.

الجزيرة نت تشرح تفاصيل قضية المسلمين في هذه الولاية، بالإجابة عن الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن القارئ لفهم ما يجري على الأرض هناك.

  • ما أسباب التصعيد الهندوسي ضد المسلمين في ولاية آسام؟

القضية تتعلق بتهجير 800 أسرة من الفلاحين المسلمين الذين يسكنون أرضا رملية بمنطقة دَرانْغ بولاية آسام منذ سبعينيات القرن الماضي، بحجة أنها أراض تابعة للدولة.

وقد تظلّم هؤلاء المسلمون أمام المحكمة العليا، وأبدوا استعدادهم للانتقال إلى مكان آخر خلال أيام، ولكن السلطات فاجأتهم، في الصباح الباكر يوم 25 سبتمبر/أيلول الجاري، بقوة تتكون من 1500 جندي وشرطي و14 جرافة دمرت بيوتهم ومسجدين ومدرسة دينية.

وحين احتج الأهالي أطلق الجنود النيران عليهم، فقتلوا رجلا وطفلا وجرحوا 20 شخصا، وتقيم هذه العائلات الآن في العراء على ضفاف نهر في موسم الأمطار، وكانت هذه الحادثة حلقة في سلسلة تم فيها تهجير 6 قرى في المنطقة بالأسلوب نفسه.

  • لماذا أصبح التهجير قضية كبيرة هذه المرة؟

كادت الحادثة أن تمر مرور الكرام، من دون أن يشعر بها أحد، لولا انتشار فيديو على منصات التواصل الاجتماعي يظهر فيه مصور صحفي وبعض الجنود وهم يقفزون فوق جثة مسلم أرداه الجنود قتيلا.

ومع أن القنوات الهندية تجاهلت أو حذفت مقاطع من الفيديو، إلا أنه وصل إلى وسائل الإعلام العالمية، وأثار ضجة كبيرة، وهو ما ضغط على السلطات لاعتقال المصور الصحفي وتعيين لجنة تقصي حقائق. غير أن كبير وزراء الولاية سارع إلى القول إن "إجراءات التهجير من أراضي الدولة لن تتوقف".

  • متى بدأ تهجير المسلمين في آسام؟

عمليات التهجير مستمرة بحق المسلمين منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم في آسام سنة 2016، وقد تم حتى الآن تهجير نحو 20 ألف مسلم، من دون أن يكون لذلك صدى داخل الهند، فضلا عن أن يعرف العالم شيئا عن هذه الحوادث.

وعمليات التهجير هذه مخالفة لقانون "سياسة الأراضي" لسنة 1989 بالولاية، الذي يعترف بملكية المستخدم لأراضي الدولة بمعدل 1 بيغا (فدان) للسكن و7 بيغا للزراعة، في حال استعمالها المستمر لمدة 3 سنوات. وهؤلاء المهجرون كانوا يسكنون بالمنطقة منذ 1970، وقد لجأوا إليها هربا من فيضانات أو انجراف الأراضي حول الأنهار في أماكن أخرى.

  • لماذا يتم استهداف المسلمين في ولاية آسام تحديدا؟

السبب هو أن نسبة المسلمين في آسام عالية جدا، إذ تقدر بنحو 34% من سكان الولاية البالغ عددهم 34 مليون نسمة، وهي أعلى نسبة للمسلمين في أي ولاية هندية بعد كشمير.

ويرى المتعصبون الهندوس أن الضغط المستمر على المسلمين في آسام بتهمة أن كثيرين منهم "أجانب" و"دخلاء" سيبقي هؤلاء مشغولين بالدفاع عن أنفسهم وعن وجودهم. وهو ما أدى بالفعل إلى تهميش المسلمين الآساميين سياسيا، بعد أن كان منهم من تولى رئاسة وزارة الولاية قبل الاستقلال وبعده.

وكان كبير وزراء آسام، هيمانتا بيسوا سارما، يقول علنا خلال الحملة الانتخابية شهر مارس/آذار الماضي إن المعركة هي بين المسلمين والهندوس، وإن الأرض ستؤخذ من المهاجرين غير الشرعيين وستعطى للآساميين الأصلاء.

  • ما خلفية المشكلة في ولاية آسام؟

ولاية آسام تقع شمالي شرق الهند، واحتلها البورميون لبعض الوقت، إلى أن احتلها الإنجليز عام 1826، وحين أراد الإنجليز تأسيس ولاية آسام سنة 1905 وجدوها صغيرة، فضموا إليها أجزاء من ولاية البنغال، وهكذا دخلت إلى جنوب آسام مناطق تتحدث باللغة البنغالية.

واكتشف الإنجليز أن أراضي آسام صالحة لزراعة الشاي، فشجعوا هنودا من خارج الولاية على الانتقال إلى آسام للعمل بمزارع الشاي، لأن الآساميين لم يكونوا يحبون الأعمال الشاقة. وحين اكتشف النفط في آسام سنة 1866، وفد إليها آخرون للعمل في المرافق النفطية.

كما هاجر إليها هندوس بنغاليون من "باكستان الشرقية"، بعد تقسيم الهند إلى دولتي الهند وباكستان سنة 1947. وقصدها المزيد من الهندوس البنغاليين خلال الحرب التي أدت إلى ظهور بنغلاديش سنة 1971. وهنا بدأ الآساميون يتذمرون من أن البنغاليين سيكتسحون آسام وسيستحوذون على كافة الفرص.

وبدأت حركة كبيرة ضد البنغاليين تطالب بإخراجهم من آسام. ووقعت في تلك المرحلة حوادث عنف كثيرة منها مذبحة "نيلّى" في فبراير/شباط 1983، التي ذبح فيها 3 آلاف مسلم في ليلة واحدة، وحتى اليوم لم تتم محاسبة القتلة، ولا دفعت تعويضات لأسر القتلى، وتحول السلطات حتى اليوم دون مناقشة هذه المذبحة.

وحين وجدت الحكومة المركزية أن الحركة الاحتجاجية قد تخرج عن السيطرة، عقدت حكومة راجيف غاندي معاهدة مع زعماء الاحتجاج الآساميين سنة 1985، تقول إنه سيتم إجراء إحصاء في آسام وإبعاد كل من دخلها من البنغاليين بعد يوم 25 مارس/آذار 1971.

وفى الانتخابات التي عقدت بعد هذه المعاهدة، فاز زعماء الاحتجاج وحكموا الولاية لفترتين، ولم يجر خلالها أي إحصاء. ثم عاد حزب المؤتمر الهندي للحكم في الولاية عام 2001، وظل يحكمها إلى أن فاز حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) في انتخابات عام 2016.

حزب الشعب الهندي المعادي للمسلمين -ولكل ما هو غير هندوسي- وجّه الاحتجاج الآسامي ضد البنغاليين عموما إلى احتجاج ضد البنغاليين المسلمين، وأخذ زعماؤه يطالبون علنا بطرد المتسللين المسلمين. وبدؤوا بإحصاء البنغاليين، بحجة تنفيذ معاهدة راجيف غاندي القديمة.

وكان تقديرهم أن الأغلبية العظمى التي سيتم تشخيصها متسللين ستكون من المسلمين، ولكن خرجت لجنة الإحصاء في أغسطس/آب 2019 بتوصيف مليون و900 ألف بنغالي على أنهم دخلاء، وكان بينهم نصف مليون هندوسي أيضا، مما صدم زعماء حزب الشعب الهندي. وهنا قامت حكومة حزب الشعب الهندي الذي يحكم على مستوى المركز أيضا بتغيير قانون الجنسية الهندي لسنة 1955، بحيث أدخلوا فيه مادة تقول إن غير المسلمين القادمين من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش بسبب التضييق الديني سيتم إعطاؤهم الجنسية الهندية.

Protest in India
طلبة محتجون على إخلاء منازل مسلمين في ولاية آسام (الأناضول)
  • هل تم تطبيق قانون الجنسية الهندي في آسام؟

لا، لم يتم تطبيقه، لأن مظاهرات ضخمة قامت في كل أرجاء الهند تقدمها المسلمون، وخصوصا النساء المسلمات، واستمرت لنحو 3 أشهر من دون أن ترضخ الحكومة لصوت ملايين المتظاهرين. وهنا فوجئت الهند بجائحة كورونا وتم تنفيذ الإغلاق التام أواخر مارس/آذار 2020، مما سمح للحكومة بتفتيت هذه المظاهرات بالقوة.

ولم يتم تنفيذ هذا القانون حتى الآن على مستوى الهند، ولكن عملية تصنيف "الدخلاء" مستمرة في آسام، حيث أقيمت عشرات معسكرات الاعتقال، ليجمع فيها كل من يتم تصنيفه على أنه أجنبي، وهناك معسكرات أخرى قيد البناء. واللافت أن حكومة بنغلاديش ترفض عودتهم إليها، وهي تنكر أن مواطنيها يهاجرون إلى الهند.

المصدر : الجزيرة