أكثر من 100 استقالة من "النهضة".. ما الأسباب؟ وأي سيناريوهات للمشهد الإسلامي في تونس؟

يقلل قياديون في النهضة من تأثير الاستقالات على وزن الحركة، ويقولون إن المستقيلين جزء من مئات آلاف الأعضاء، وعددهم ضئيل جدا.

حركة النهضة تتصدر الانتخابات التشريعية التونسية يليها حزب قلب تونس
حركة النهضة تصدرت الانتخابات التشريعية عام 2019 لكن الرئيس سعيّد قرر تجميد البرلمان في يوليو/تموز الماضي (الجزيرة)

تونس- شهدت حركة النهضة التونسية موجة استقالات هذا الأسبوع، شملت 113 عضوا، وأوضح بيان صادر عنهم أن "الإخفاق في الإصلاح الداخلي للحزب" أهم أسباب خطوتهم الواسعة.

ومن بين المستقيلين قياديون في الحركة، مثل محمد بن سالم وعبد اللطيف المكي وسمير ديلو، وهناك أعضاء سابقون في المجلس التأسيسي، وآخرون من البرلمان المجمّد حاليا، ومسؤولون في الجهات؛ وقعوا جميعهم على البيان المشترك.

وأتت موجة الاستقالات وسط أزمة سياسية غير مسبوقة في تونس، بعد إعلان الرئيس قيس سعيّد احتكاره السلطة، وتأكيده عدم العودة إلى النظام البرلماني في خطابه الأخير؛ مما جعل المستقلين والأحزاب يلتحقون بآلاف من المتظاهرين الذين تجمهروا في شارع الحبيب بورقيبة (وسط العاصمة) اليوم الأحد، منددين بالقرارات ومطالبين بالحفاظ على دستور الثورة.

أسباب الاستقالات

ويرجع أعضاء "النهضة" استقالاتهم إلى تعطّل الديمقراطية داخل الحركة، وإلى "انفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار". وهو ما قالوا إنه أدى إلى خطوات خاطئة أفضت إلى تحالفات سياسية متناقضة مع التعهدات المقدمة للناخبين، حسب ما جاء في نص بيان المستقيلين.

وفي تصريح للجزيرة نت، قال القيادي المستقيل من الحركة محمد بن سالم إن سبب خروجهم هو الإقرار بعدم القدرة على إصلاح الحزب من الداخل لمدة 8 سنوات متتالية.

وأضاف "المرحلة تتطلب تجميع كل القوى التي تؤمن بالديمقراطية الحقيقية من أجل النضال لاسترجاعها، لأن الديمقراطية أصبحت مداسة بدوس الدستور، وهذا لم يكن ممكنا لو بقينا في النهضة".

وعن صحة الأنباء حول تأسيس المستقيلين حزبا جديدا، أكد محد بن سالم أنهم يفكرون جديا في تكوين مشروع سياسي، و"هو حزب وسطي مفتوح لكل من يؤمن بهوية الشعب التونسي العربي الإسلامي".

وأكدت عضو البرلمان والمستقيلة من "النهضة" رباب بن لطيف أن الاستقالة سببها "استحالة الإصلاح داخل الحركة والاختلاف في وجهات النظر في ما يخص مواجهة "الانقلاب".

 وقالت رباب بن لطيف إن الحركة ما زالت قائمة ولها قواعدها ومؤسساتها "لكننا اخترنا النضال بعيدا عن الحزب للدفاع عن الديمقراطية".

وحسب البيان الصادر عنهم، فإن المستقيلين سيناضلون من أجل الدفاع عن الديمقراطية وحماية الدستور، ورفض كل أشكال التعدي على التعددية والحريات.

ونشر عبد اللطيف المكي -القيادي المستقيل من حركة النهضة- بيانا وقائمة المستقيلين مرفقة بتدوينة على صفحته الرسمية بفيسبوك كتب فيها "أشعر بالحزن العميق، أشعر بألم الانفصال، ألم شديد لكن لم يبق لي خيار بعد طول المحاولة، خاصة في الأشهر الأخيرة. أتحمل مسؤولية قراري الذي اتخذته من أجل بلدي. تجمعنا مواقع العطاء والنضال فلا بد من مواجهة الانقلاب من أجل تونس".

القيادي البارز في النهضة علي العريض (الجزيرة)

أي أثر على الحركة؟

ويرى القيادي البارز في حركة النهضة علي العريض أن المهمة الرئيسية اليوم هي مهمة وطنية تتجاوز القضايا الداخلية للحزب، خاصة أن المناخ السياسي لا يساعد على النقاش والجدال.

وعبّر العريض عن أسفه لاستقالة هذا العدد من أعضاء الحركة في هذا الوقت تحديدا، "خاصة أن بعضهم كان في هياكل مهمة في الحزب الذي اعتاد على علاج مشاكله الداخلية في صلب مؤسساته، وهم يعلمون أن المؤتمر القادم نفسه جزء من الحلول الوطنية والداخلية".

ويقلل القيادي في الحركة بلقاسم حسن من تأثير الاستقالات على وزن حركة النهضة، ويقول إن "113 المستقيلين هم من مئات آلاف الأعضاء، وهو عدد ضئيل جدا. "كما أن الذين غادروا الحزب لن يغادروا الكتلة حسب ما أبلغنا به بعضهم خلال المظاهرات".

 وختم حسن حديثه "هذه مسألة داخلية ولا تمثل أي خطر على حركة النهضة، فقد خرج سابقا عبد الفتاح مورو وحمادي الجبالي وغيرهما، وواصلت النهضة عملها كالسابق".

وأضاف "وما يهمنا اليوم فعلا هو الدفاع عن الشرعية وليست استقالات أي كان من حزب ما".

شكل جديد للمشهد الإسلامي

وتعد الاستقالات الأخيرة أكبر أزمة تمر بها حركة النهضة منذ تقلدها الحكم، وهي التجربة التي استدعت ردود أفعال غاضبة، وحصارا شعبيا وسياسيا، حسب وصف المحلل السياسي مراد علالة.

وقال علالة للجزيرة نت "انتقل التململ الشعبي إلى داخل العائلة الإسلامية نفسها باستقالات كبرى من الحركة الأم، وبالتالي سيقل حجمها ودورها في السيطرة على المشهد السياسي".

ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن "انقسامات الحركة الإسلامية في تونس لا يعني أن الحركة ستنهار وستفقد وزنها السياسي، بل ستواصل بأشخاص أقل لكن بالمبدأ نفسه.

ويعتقد الجورشي أن "الظاهرة الحزبية الإسلامية" مرشحة لمزيد من الانقسامات، ولمزيد من التعدد والتنوع، لأن المستقيلين يتجهون نحو إنشاء أحزاب تضاهي حركة النهضة، أو سيتجهون إلى المجتمع المدني، و"سيكونون أقدر من غيرهم على تحقيق أهداف الإسلام السياسي".

المصدر : الجزيرة