هل تسعى واشنطن إلى تشكيل "ناتو آسيوي" لمواجهة الصين؟

تشعر بكين بالانزعاج من الجهود الأميركية لحشد العالم ضدها، وتشكيل تحالف يشبه الناتو في الشرق الأقصى، بما يشكل خطرا بإشعال حرب باردة جديدة.

President Biden holds a virtual meeting with Asia-Pacific Quad nation leaders at the White House in Washington
تسعى واشنطن لتطوير القمة الرباعية إلى حلف جديد لمواجهة الصين بالشرق الأقصى (رويترز)

واشنطن – يُعد الناتو (حلف شمال الأطلسي) منظمة عسكرية دولية تأسست عام 1949، بين دول أوروبا الغربية وأميركا الشمالية المطلة على المحيط الأطلسي، وذلك لمواجهة التهديد السوفياتي لأوروبا مع بدء الحرب الباردة. ويشكل الناتو نظاما للدفاع الجماعي، تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل ردا على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.

واتفق الأعضاء على أن الهجوم المسلح على أي منهم يعتبر هجوما ضدهم جميعا. وبناء على ذلك، اتفقوا على أنه في حال وقوع هجوم مسلح، فإن أيا منهم له أن يتخذ ما يراه ضروريا من إجراءات، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، ويضم الحلف حاليا 30 دولة.

واستهدف الناتو منذ نشأته مواجهة التهديد السوفياتي إلى أن انهار الأخير عام 1991، ومن ثم أصبحت روسيا هي الطرف المستهدف بالأساس من وجود واستمرار الحلف.

الصين تهديد جديد

في ختام مؤتمر قمة الناتو في يونيو/حزيران الماضي، أكد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ أن "طموحات الصين المعلنة وسلوكها المتواصل يشكلان تحديا لأسس النظام الدولي، وأن هذا يمثل بُعدا وتحديا جديا للحلف الأطلسي". ولم يتأخر رد بكين، إذ سارعت باتهام الحلف الأطلسي بـ "انتهاج عقلية الحرب الباردة وسياسة التكتل".

ويربط معلقون كثر الخطوات الأميركية الأخيرة المتمثلة في إعلان التحالف الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا "أوكوس" (AUKUS) وما ارتبط بها من صفقة غواصات ضخمة، ثم عقد القمة الرباعية "كواد" (QUAD) في البيت الأبيض بحضور قادة اليابان والهند وأستراليا، برغبتها في إيجاد جبهة عريضة موحدة لمواجهة التهديدات الصينية المتزايدة والمتسارعة.

وتتخذ اليوم، الجهود الأميركية لتشكيل تحالف رسمي جديد من الديمقراطيات الكبرى المطلة على المحيطين الهادي والهندي لمواجهة الصين، خطوة إلى الأمام في البيت الأبيض، حيث يجتمع اليوم الجمعة رؤساء الدول الرباعية، في أول قمة يشاركون فيها بأنفسهم، عقب قمة مماثلة جمعتهم افتراضيا قبل 6 أشهر.

ويعتبر ريتشارد روسو خبير الشؤون الآسيوية بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن هناك ما يربط توقيت إنشاء المبادرة الأمنية الثلاثية وعقد القمة الرباعية، إذ إن واشنطن وحلفاءها يدركون خطورة تحركات الصين المستمرة في أنحاء آسيا، وهو ما يعتبرونه مزعزعا للأمن في المنطقة.

ويشير روسو في حديثه للجزيرة نت إلى أن "المخاوف المشتركة بشأن فقدان الحرية والسيادة، في منطقة بحر جنوب الصين، تجبر الدول ذات التفكير المماثل على التكاتف". ويضيف أن فكرة "الحوار الأمني الرباعي" جاءت من رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي، ورغبته في إنشاء تحالف يوازن العلاقات مع قوة الصين الصاعدة.

ويرى بعض المعلقين أن سياسات الرئيس الصيني شي جين بينغ اختلاق توترات مع الدول الثلاث. فقد تبنت بكين العنف ضد القوات الهندية في جبال الهيمالايا، وقتلت 20 منهم قبل شهور، في وقت ضاعفت فيه العمليات العسكرية وشبه العسكرية حول مياه وجزر جنوب اليابان، كما شاركت بكين في حظر لا هوادة فيه ضد صادرات أستراليا من كل شيء، بدءا من الخمور إلى الفحم بسبب موقف الحكومة الأسترالية المنتقد لانتهاكات الصين لحقوق الإنسان.

وترددت أستراليا والهند في البداية، وحذرتا من فكرة استعداء بكين، إلا أن صيغة الحلف الرباعي أصبحت مناسبة لمواجهة السياسات العدائية للصين، بعد تدهور علاقات الدولتين معها خلال السنوات الأخيرة.

وثيقة توجيه إستراتيجي

وأصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بداية مارس/أذار الماضي وثيقة "التوجيه الإستراتيجي المؤقت لإستراتيجية الأمن القومي" التي تتضمن توجهات الإدارة الجديدة لوكالات الأمن القومي حتى تتمكن من العمل على مواجهة التحديات العالمية، وجاء ذكر الصين 15 مرة في الوثيقة التي لم تتعد 20 صفحة من الحجم الصغير.

وأشارت الوثيقة إلى ضرورة تأهب الولايات المتحدة لمخاطر الصين، بالقول "يجب علينا أيضا أن نتأهب لحقيقة أن توزيع السلطة في جميع أنحاء العالم يتغير، مما يخلق تهديدات جديدة".

وذكرت أن الصين على وجه الخصوص أصبحت وبسرعة أكثر حزما وتصميما، وهي المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، وتحدي النظام الدولي المنفتح والمستقر.

ويتفق جوشوا كورلانتزيك خبير العلاقات الأميركية الصينية في مجلس العلاقات الخارجية مع القول إن إدارة بايدن تتجه لتبني سياسات متشددة تجاه الصين.

ويشير، في حديث للجزيرة نت، إلى أنه "رغم ارتفاع درجة الاستقطاب في النظام السياسي الأميركي حاليا وبصورة غير مسبوقة، فإن هناك قدرا لا بأس به من الإجماع بين الديمقراطيين والجمهوريين على ضرورة مواجهة سياسات الصين".

انزعاج بكين

تشعر بكين بالانزعاج من تلك الجهود الأميركية، حيث حذر الرئيس الصيني، في خطاب ألقاه في يناير/كانون الثاني الماضي، من أن محاولات واشنطن لحشد العالم ضد بلاده تخاطر بإشعال "حرب باردة جديدة".

ومن جانبه قدم رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفين رود تقييما الشهر الماضي بمجلة "فورين أفيرز" قال فيه "إن الرباعية تمثل مشكلة فريدة بالنسبة لإستراتيجية الصين لأنها تهدف لتوحيد تحالف مقاومة متعدد الأطراف في جميع أنحاء المحيطين الهندي والهادي وربما خارجه".

وأضاف رود "بالنسبة للرئيس الصيني، فإن السؤال الحاسم هو ما إذا كانت الرباعية ستتطور لتصبح كبيرة ومتماسكة وشاملة بما يكفي لتحقيق التوازن الفعال ضد الصين، وبالتالي تقويض أي شعور بأن هيمنتها، في آسيا أو على الصعيد العالمي، أمر لا مفر منه".

ورغم الترويج للرباعية، سعى مسؤولون بإدارة بايدن إلى تجنب الخطاب الاستفزازي في العلن حول المبادرة. ولم يشر بيان للبيت الابيض، أعلن فيه قمة قادة رباعية، إلى الصين. كما تجنب بايدن بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت سابق هذا الأسبوع هجوما مباشرا على الصين، وقال "نحن لا نسعى لحرب باردة جديدة أو عالم منقسم إلى كتل جامدة".

المصدر : الجزيرة