مؤرخ أميركي: لماذا انتصرت قبائل أفغانستان على الولايات المتحدة؟

جيريمي سوري: الانهيار السريع للدولة التي بنتها أميركا في أفغانستان هو "تذكير مؤلم للغاية" بأن الدول ليست هي الشكل الوحيد للتنظيم السياسي (غيتي)

تناول مؤرخ أميركي في مقال بمجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) أسباب الهزيمة التي تعرضت لها الولايات المتحدة في أفغانستان على يد حركة طالبان.

وتحت عنوان "لماذا انتصرت القبائل الأفغانية على الولايات المتحدة؟"، كتب المؤرخ جيريمي سوري واصفا شبكات القرابة المحكمة الترابط بأنها ليست من مخلّفات الماضي بل هي شكل حديث وفعال من أشكال التنظيم السياسي.

وقال إن الانهيار السريع للدولة التي بنتها الولايات المتحدة في أفغانستان هو "تذكير مؤلم للغاية" بأن الدول ليست هي الشكل الوحيد للتنظيم السياسي، بل أبعد ما تكون عن ذلك.

انهيار الدول

فالعقود الأولى من هذا القرن اتسمت بشواهد على انهيار دول في نصف الكرة الجنوبي. كما أن الدول في العالم المتقدم ترزح هي الأخرى تحت أزمات حتى في تلك البلدان المستقرة تاريخيا كالولايات المتحدة وبريطانيا.

واستعرض جيريمي سوري -وهو أستاذ كرسي ماك براون المتميز للقيادة في الشؤون العالمية، بجامعة تكساس في أوستن- في مقاله أفكارا تضمنها كتاب بعنوان "القبيلة والدولة في آسيا عبر 25 قرنا" (Tribe and State in Asia Through Twenty-Five Centuries) لمؤلفه سوميت غوها.

ويعرض غوها في كتابه "إطارا محوريا" لفهم أحد أقوى أشكال التنظيم السياسي المضادة للدول وهي القبيلة. ووفقا لجيرمي سوري، فإن سوميت غوها مؤرخ متخصص في منطقة جنوب آسيا وقد تناول بالتركيز في كتابه ما أطلق عليه "البيئة السياسية في الحياة القبَلية".

الطبيعة الجغرافية والدولة

وفي ذلك يقول مؤلف الكتاب إن المناخ والتضاريس الطبيعية (الطبوغرافيا) تتيح أشكالا من التنظيم الاجتماعي تتسم بطابع رعوي ولا مركزي على أطراف الإمبراطوريات والدول.

ويضيف أن المجموعات السكانية في تلك المناطق تعتمد في معيشتها على شبكات القرابة والتكيف مع البيئة، وتقاوم الدخلاء الأقوياء وتتكيف بشكل خلاق مع المتغيرات السياسية والاقتصادية.

ويرى سوري في مقاله بفورين بوليسي أن هذه النقطة الأخيرة هي الإسهام الأهم للمؤلف غوها في كتابه، إذ يؤكد أن القبائل ليست من بقايا ماضٍ مفقود بل هي أنماط حيوية وحديثة من التكيف مع التهديدات والمحفزات في عالمنا المعاصر.

قبائل الهند والصين وباكستان

ويعطي مؤلف الكتاب أمثلة على القبلية في قارة آسيا، مستشهدا بقبائل وادي سوات في باكستان، والأقليات العرقية في الصين، والقبائل المنبوذة في الهند.

ويشير إلى أن كل مجموعة من هذه المجموعات تعاملت مع الدول القوية من حولها بطرق تعيد صياغة هوية قبائلها من أجل البقاء على قيد الحياة.

ففي الهند، على سبيل المثال، استغلت مختلف القبائل النظام الديمقراطي للمطالبة بأنصبة في الوظائف الحكومية وبفرص للتعليم الجامعي، بينما قاومت نظيراتها في باكستان المجاورة الدولة وقدمت الدعم للجماعات شبه العسكرية في عبورها الحدود من أفغانستان وإليها.

طالبان ثمرة للقبيلة الحديثة

واعتبر جيريمي سوري أن حركة طالبان "ثمرة حديثة" من ثمرات النظام القَبَلي في باكستان، التي تعمل أحيانا ضد الدولة وأحيانا أخرى معها.

ويمضي إلى القول إن الأميركيين من كل ألوان الطيف السياسي لن يستطيعوا الزعم بأنهم يعرفون أفضل من أبناء القبائل في أفغانستان التي قضوا 20 عاما وهم يحاولون تنظيمها وبناء جيش حديث ودواوين الدولة.

ويوضح المؤرخ الأميركي في مقاله أنه بينما تسعى الدول القوية لفرض قوانينها وأهدافها، تعمل القبائل على التكيف معها ومقاومتها بدهاء ملحوظ لما تملكه من مزية نابعة من أن البيئة السياسية تحابي المجتمعات الرعوية واللا مركزية.

صمود طالبان بوجه أميركا

وقد تجلى ذلك في أفغانستان طوال العقدين الماضيين حيث جاءت النهاية عنيفة للغاية. وارتبطت طالبان بالبنية القبَلية لأفغانستان وباكستان بأفضل من ارتباط الولايات المتحدة بها، وهو ما يفسر صمود الحركة في وجه الهجمات الأميركية المتكررة.

ويتوقع المؤرخ سوري أن طالبان ستواجه على الأرجح مقاومة في المستقبل من العديد من القبائل، ولا سيما في الشمال، لكنها لن تحاول إقامة دولة مركزية بيروقراطية كتلك التي سعت الولايات المتحدة لبنائها.

ويتابع القول إن على الدبلوماسيين الأميركيين أن يتعرفوا أكثر على القبائل في المجتمعات الأجنبية، كما ينبغي على صناع السياسة التعامل معها باعتبارها شريكة جادة في أي مفاوضات. ثم إن على القادة معرفة أن أجهزة الدولة التي يميلون إلى تفضيلها ليست بالضرورة متفوقة على الهياكل القبلية البديلة.

خيارات بديلة لم يعرفها الأميركيون

ويختتم كاتب المقال بالسؤال: كيف كان لهذا النهج أن يحدث فرقا في أفغانستان خلال العقدين الماضيين؟

ويجيب بالقول ربما كانت هناك خيارات بديلة في السعي لبناء دولة أفغانية، فمنذ الأيام الأولى التي أعقبت هزيمة طالبان في أواخر عام 2001، أدرك صناع السياسة الأميركية مدى صعوبة جمع البشتون والطاجيك والهزارا والعديد من القبائل الأخرى في اتحاد سياسي واحد.

المصدر : فورين بوليسي