إسقاط "قانون المواطنة" يكرّس الأزمة السياسية في إسرائيل

تزعم الحكومة الإسرائيلية أن منع لم شمل العائلات الفلسطينية ينفذ لأسباب أمنية، في حين تسعى من خلاله إلى التصدي لأي زحف فلسطيني داخل الخط الأخضر

جانب من الوقفة الاحتجاجية قبالة الكنيست دعما للعائلات المتضررة من "قانون المواطنة" (تصوير مركز مساواة لحقوق الإنسان، حولها للاستعمال الحر في وسائل الإعلام، وصلتني كصحافي مشارك في مجموعة مساوة للصحافيين)
وقفة احتجاجية أمام الكنيست الإسرائيلي دعما للعائلات المتضررة من "قانون المواطنة" (مصدر حقوقي)

القدس المحتلة – نتائج تصويت الكنيست الإسرائيلي على تمديد العمل ببند "منع لم شمل العائلات الفلسطينية" في "قانون المواطنة" عكست عمق الأزمة في المشهد السياسي الإسرائيلي وحجم الشرخ بين التيارات والأحزاب اليهودية، والتحديات التي تواجه الحكومة الجديدة برئاسة نفتالي بينيت.

وسقط تمديد العمل بمنع لم الشمل بسبب تعادل الأصوات، إذ صوت 59 عضوا لصالح بقاء منع لم الشمل، و59 ضده.

وإسقاط بند منع لم الشمل العائلات، المعمول به منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2003، يحمل في طياته الخلافات داخل الائتلاف الحكومي الجديد الذي أثبت هشاشته في أول اختبار عبر "قانون المواطنة".

وهو ما يشير إلى عدم استقرار الائتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينيت، وذلك على الرغم من التوصل إلى "تسوية" مع القائمة العربية الموحدة برئاسة عباس منصور، التي وافقت على تمديد القانون لـ6 أشهر، مقابل المصادقة على لم شمل 1600 عائلة، وتجديد تصاريح الدخول والتنقل لنحو 9 آلاف عائلة.

ويعنى هذا القانون بآلاف العائلات الفلسطينية المقيمة في الداخل الفلسطيني، التي يحمل أحد الزوجين فيها بطاقة هوية الضفة الغربية أو قطاع غزة، ويسمح له بالبقاء بناءً على تصريح إقامة مؤقتة يجدد سنويا.

وعبّر الجدل الطويل الذي سبق إسقاط بند "منع لم الشمل" عن التعقيدات الأيديولوجية والقومية التي تطفو على المشهد السياسي الإسرائيلي، حتى لدى كتلة المعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي فشل في تجنيد أغلبية 61 من أعضاء الكنيست لإسقاط حكومة بينيت.

هجرة وعودة

ووسط السجال بشأن "قانون المواطنة"، قد تجد المؤسسة الإسرائيلية ذاتها بحالة إرباك أمام المحكمة العليا في حال تم الالتماس ضد سياسة وزارة الداخلية بكل ما يتعلق بمنع لم شمل العائلات الفلسطينية، رغم أن المحكمة قبلت سابقا، موقف النيابة العامة الإسرائيلية أن هذا القانون وتمديده منذ 2003 أتيا لأسباب أمنية.

ووفقا لمحللين إسرائيليين، فقد أصرت الدولة العبرية على مزاعم "الخطر الأمني"، ووافق القضاة على ذلك، رغم تشكيكهم في المزاعم بأن إلغاء القانون يشكل خطرا على الأمن الإسرائيلي، لوجود دلائل كثيرة تؤكد أن غايته ليس أمنية بالضبط، بل ديمغرافية إلى حد كبير.

وعليه، يشترط حزب الليكود، بغية إحراج الحكومة، التصويت على "قانون الهجرة إلى إسرائيل" وتثبيت منع لم الشمل بقانون دائم.

وساد الإجماع لدى الأحزاب اليهودية حول تمديد منع لم الشمل على مدار 18 عاما، الأمر الذي كان يتم بمبادرة حزب الليكود ودعمه. وكان يعكس تطلع الدولة العبرية لمنع الفلسطينيين من الدخول إلى مناطق الخط الأخضر، لا على أساس الخوف من "هجمات إرهابية"، ولكن بسبب الخوف مما يسمى "العودة الزاحفة للاجئين" الفلسطينيين.

أفراد من العائلات ضحايا منع لم الشمل بفعالية احتجاجية قبالة الكنيست. (تصوير مركز مساواة لحقوق الإنسان، حولها للاستعمال الحر في وسائل الإعلام، وصلتني كصحافي مشارك في مجموعة مساوة للصحافيين)
طفلة من الداخل الفلسطيني تطالب بجمع الشمل مع والدتها ومنحها بطاقة إقامة دائمة في إسرائيل (مصدر حقوقي)

قوة وهشاشة

وتعليقا على نتائج التصويت وموقف حزب الليكود الذي يعرف بـ"عراب القوانين العنصرية"، يقول الصحافي الإسرائيلي، يواف شطيرن، إن "النتائج غير مفاجئة وتعكس موازين القوى في الكنيست، وكذلك قوة ووضعية الائتلاف الحكومي، الذي كان بإمكانه تمرير القانون، لولا امتناع 3 نواب منه عن التصويت لصالح تمديده".

"كما أن نهج الليكود ومواقفه ليست مفاجئة"، حسب رأي شطيرن، "فهي تعكس تطلعه لإسقاط حكومة بينيت على حساب المصالح الأمنية والقومية لإسرائيل".

ويعتقد الصحافي الإسرائيلي أن نهج الليكود، خلال الأسابيع التي سبقت التصويت على القانون وإسقاطه، كان يسعى لإحراج الحكومة ونزع الشرعية عنها وعن بعض مركباتها الحزبية لدى الناخبين الإسرائيليين.

ويشير هذا النهج، حسب الصحافي، إلى أن نتنياهو الذي يهيمن على مفاصل القوى في الليكود، يدفع نحو الإبقاء على نفسه رئيسا للحزب ويعمل المستحيل من أجل إسقاط حكومة بينيت، والتوجه لانتخابات جديدة بأسرع وقت ممكن.

وفي دلالات اشتراط تصويت الليكود، لبند منع لم الشمل، بشرعنة قانون دائم يمنع بشكل مطلق لم شمل العائلات الفلسطينية، قال شطيرن للجزيرة نت إن " نتنياهو لن يصوت إلى جانب الحكومة حتى في قضايا الأمن القومي، أو في حالة توجهها لشن حرب على غزة أو توجيه ضربة عسكرية لأهداف إيرانية".

ورغم الصفعة التي تلقتها حكومة بينيت في "قانون المواطنة"، إلا أن شطيرن يعتقد أن ذلك لا يشير إلى إسقاطها في المستقبل القريب، لافتا إلى أن "الهشاشة وعدم الاستقرار والتقاء المصالح" كانت الحجر الأساس لتشكيل الحكومة والإطاحة برئيس الوزراء نتنياهو.

وبالتالي، يقول شطيرن "تبقى مصلحة أحزاب الائتلاف الحكومي الجديد في عدم عودة نتنياهو لسدة الحكم مجددا"، مضيفا أن اختبار "قانون المواطنة" أوضح للشركاء بالائتلاف أن أي تعثر للحكومة سيعيد نتنياهو للحكم.

إسرائيل أقرت بندا ضمن قانون المواطنة يمنع لم شمل العائلات الفلسطينية منذ عام 2003 (مصدر حقوقي)

تصويت وسجال

من ناحية أخرى، بخلاف الاعتقاد بأن إسقاط بند منع لم الشمل، يعد مؤشرا جيدا، فإنه من شأنه فتح الباب على مصراعيه بين الأحزاب الإسرائيلية للسجال بشأن حقيقة القانون الذي يأتي لدوافع أمنية ويتم العمل به ضد العائلات الفلسطينية فقط.

وثمة من يعتقد في معسكر اليسار الصهيوني أن التصويت على القانون يعزز الاعتقاد بأنه بلا جدوى، وأن مبرراته عنصرية وتهدف إلى محاربة الوجود الفلسطيني، بحسب ما أكد المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" آدم كلير.

وأوضح كلير للجزيرة نت، أنه ليس من المستبعد أن تطرح وزيرة الداخلية، إيليت شاكيد، "قانون المواطنة" للتصويت مجددا، وقد ينال ثقة الكنيست لكن ليس بأغلبية 61 عضوا.

وبالمقابل، قد تعيش المعارضة برئاسة نتنياهو، نشوة الانتصار للحظات وتعلو هتافاتها ضد الحكومة، لكن بحسب كلير، " أثبت امتحان "قانون المواطنة" أن أحزاب الائتلاف الحكومي، رغم هشاشته، كانت تدرك خطر الانهيار وعززت من وحدته عندما اقتربت من خط الهاوية".

وعن معاني تصويت الليكود والقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس، يقول المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" إن استقرار هذه الحكومة منوط بمدة بقاء نتنياهو في المشهد السياسي والحزبي. وعليه، سيواصل زعيم الليكود مساعيه لاقتراح قوانين تحرج وتفكك الحكومة.

أما "العربية الموحدة"، برأي كلير، "فستبقى تساوم حكومة بينيت وتربط بين تحقيق إنجازات تسوقها للمواطنين العرب، وبين مواصلتها دعم الحكومة".

المصدر : الجزيرة